بكري الكردي..موسيقي كبير غيبه الزمن
المقال من إعداد: المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
كثيرون يطربون للأغنية الرائعة (ابعت لي جواب وطمني) التي شدى بها كثير من المطربين ، وفي مقدمتهم صبري مدلل وصباح فخري . لكن قلائل هم الذين يعرفون أن ملحنها سوري حلبي هو بكري الكردي.
وبكري الكردي واحد من كبار الموسيقيين السوريين من جيل الرواد .تركز نشاطه الموسيقي على التلحين . وهو أول من لحن في قالب الدور في سورية ، والدور قالب غنائي مصري صرف . كما لحن الموشحات والقصائد والطقاطيق .
وبكري الكردي هو اسمه الفني ، أما اسمه الحقيقي فهو باكير مصطفى باكير . ولد في جسر الشغور عام 1909 ، لكنه حلبي الأصل ، إذ رحل أبوه مصطفى باكير إلى جس الشغور بحكم عمله . وتمتع الطفل باكير منذ صغره بجمال الصوت ورهافة الأذن نحو النغمات الموسيقية . وبعد اجتيازه مرحلة الدراسة الابتدائية عاد به أبوه إلى حلب ، فتتلمذ على يد الشيخ عبد الحميد الموري مؤذن الجامع العمري بحلب، وأخذ عنه النغمات والأوزان والتواشيح الدينية ، وانتسب إلى حلقات الذكر . وبدأ يشارك بالانشاد فيها . ولكي يزيد تمكنه من الموسيقا تعلم العزف على العود على يد الموسيقي سامي صندوق والنوتة الموسيقية على يد علي الدرويش ، كما تعلم أصول التلحين وخاصة الموشحات على يد عمر البطش .
ولما آنس شيخ التكية المولوية باقر حلبي عنده جمال الصوت وحسن الأداء كلفه برفع الأذان في التكية . لكن ممارسة النشاط في حلقات الذكر والمساجد عبر الانشاد والأذان لم يشبع رغبة باكير مصطفى باكير ، فاتجه إلى الغناء الطربي ، وأخذ يعمل مطرباً على مسارح حلب . لكنه بعد فترة وجد أن التلحين هو ميدانه الحقيقي ، وفيه يبدع أكثر من الغناء ، فاعتزل الغناء ووجه نشاطه نحو التلحين . بتشجيع من صديقه الشاعر حسام الدين الخطيب .
وأول تجربة له في التلحين كانت عندما نظم حسام الدين الخطيب زجلية مطلعها :
خايف ياروحي يطول جفاكي
وينسـى قلـبي ولوعي فيكي
خايف ياروحي
فطلب بكري الكردي من صديقه الشاعر أن يجرب تلحينها . ووضع لها لحناً جميلاً من مقام العجم . وأعجب حسام الدين الخطيب باللحن ، وبدأ يزوده بالقصائد والأزجال . فكانت معظم الأغنيات التي لحنها الكردي في حياته من كلمات صديقه الخطيب .
لحن بكري الكردي في جميع القوالب الغنائية العربية ، ففي قالب الموشح لحن الكثير الجميل منه . ومن موشحاته التي اشتهرت (أقبل الصبح) الذي غناه مطربون كثيرون وفي مقدمتهم صباح فخري ، وموشح (لو زارني الحبيب ) الذي يقول مطلعه :
لو زارني الحبيب
في غفلة الرقيب
ماكنت كالغريب
أتيه في دربي
وفي قالب القصيدة لحن قصائد بديعة معظمها من شعر صديقه حسام الدين الخطيب . وأول قصيدة لحنها حملت عنوان (هذه العبرة) ، ومن ألحانه في القصيدة (البلبل التائه) التي غناها صباح فخري . وفي عام 1942 لحن للمطربة نور الهدى قصيدة مطلعها :
ليـس إلا نا مقيم هـاهنا
أنشدي إنا كلانا طلق
أنشدي لاتذهبي الوقت سدى
نحن في الحب لصوص سرقوا
ننهب اللذات من خافرها
وإلى روض المنى نستبق
وغنتها نور الهدى على مسارح حلب خلال إقامتها في حلب ذاك العام . ومن القصائد الجميلة التي لحنها ونالت شهرة واسعة قصيدة (طرفها سهم وقلبي هدلإ) التي نظمها حسام الدين الخطيب ، وغنتها الهام عام ،1953 يقول مطلعها :
طـرفها سـهم ةقلبي هـدف منّي الود ومنها الصلف
كلـما عاتبتـها أو لمـتها يتحداني القـوام الأهيف
هـكذا أحـيا فرمـح أسـمر يتلقاني وسـهم مرهـف
بتّ أخشاها إذ ماعرضت وإذا من نظرت أرتجف
ولقصيدة (ليس إلانا مقيم هاهنا) حكاية طريفة . فقد قام اعجاب متبادل بين الشاعر حسام الدين الخطيب وبين المطربة الشابة الكسندرا بدران (نور الهدى) . لكن والدها الذي كان حارسها الصارم، كان يمنع أي اتصال معها لأي شخص . وصدف في يوم أن كانت بعيدة عن والدها ، فرافقها الشاعر في نزهة كتب على اثرها القصيدة التي تلقفها بكري الكردي ولحنها ، لتغنيها الكسندرا على أحد مسارح حلب . كما لحن لها بكري الكردي قصيدة أخرى عنوانها (سكن الطير ) نظمها حسام الدين الخطيب أيضاً .
أما قالب الدور المصري الصميم فقد كان بكري الكردي ثاني ملحن غير مصري يلحن فيه بعد عمر البطش . ومن أجمل الأدوار التي لحنها بكري الكردي دور (القلب مال للجمال) الذي غناه مطربون كثيرون وفي مقدمتهم صباح فخري .
وفي قالب الطقطوقة لحن بكري الكردي مجموعة بديعة ، منها (بالليل جنح الظلام) كلمات حسام الدين الخطيب ، وغناها مصطفى ماهر، وطقطوقة (سلمى) كلمات محمد العدناني وغناها سمير حلمي ، و(كتير دلالك) كلمات حسام الدين الخطيب ، وغنتها المطربة ماري جبران . لكن أجمل الطقاطيق التي لحنها (ابعت لي جواب وطمني) التي غناها مطربون كثيرون منهم صباح فخري ووعبود بشير وسمية بعلبكي ومحمد خيري وصبري مدلل وعمر سرميني وغيرهم .
وبكري الكردي كان مدرسة موسيقية متكاملة . تتلمذ على يديه الكثير من الموسيقيين والمطربين منهم محمد خيري ومحمد قدري دلال . كما تتلمذت على يديه المطربة نور الهدى خلال إقامتها في حلب عام 1942 ، إذ تعلمت منه أصول الغناء . واستمر بكري الكردي في نشاطاته حتى رحيله عام 1979 عن سبعين عاماً .
مراجع مساعدة:
1- كتاب (السماع عند العرب) – الجزء الثالث – مجدي العقيلي – دمشق.
2- كتاب (الموشحات الأندلسية) – فؤاد رجائي – حلب.
3- موسوعة (أعلام الأدب والفن) – أدهم آل الجندي – دمشق 1954 .
4- كتاب (الموسيقا في سورية – الطبعة الثانية) – عدنان بن ذريل – دار طلاس – دمشق 1989 .
أوتار أونلاين
تعلم الموسيقا وانت في المنزل عبر اوتار اونلاين من خلال الطلب التالي
طلب انتساب لاوتار اونلاين