صبحي سعيد ..الموسيقي الذي طواه النسيان
المقال من إعداد: المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
صبحي سعيد موسيقي سوري كبير مارس نشاطه الموسيقي عازفاً على العود وملحناً ومعلماً لأجيال من الموسيقيين . ولد عام 1897 في مدينة القدس بفلسطين ، وأصل عائلته من مصر. انتقلت أسرته إلى طرابلس في لبنان وهو طفل ، وفي طرابلس درس المرحلة الابتدائية ، وتعلم العزف على العود على يد الموسيقي أحمد البدوي .وانتقل إلى دمشق في الثامنة عشرة من عمره بعد أن رحل والده ، فاستوطن فيها بشكل نهائي ، وتابع دراسته الموسيقية على يد أساتذة الموسيقا في دمشق ، فتعلم التدوين الموسيقي (النوتة) حتى غدا حجة فيها ، كما تعمق في العزف على العود وأصول التلحين .
بدأ نشاطه الموسيقي كعازف عود ضمن الفرق الموسيقية على مسارح دمشق وفي أنديتها الموسيقية . وفي عام 1927 تعرف على الفنان الشعبي سلامة الأغواني ، واتفق الاثنان على تقديم المونولوغات الناقدة . إذ يقوم سلامة الأغواني بكتابتها ، ويلحنها صبحي سعيد ، ومن ثم يقوم الأغواني بأدائها سواء على المسارح ، أو يتم تسجيلها على اسطوانات. وشكلا بذلك ثنائياً فنياً ناجحاً ، استمر لسنوات كثيرة . وأول مونولوغين أبدعاهما (اسمعوا ياأهلية) و( نحنا الشوفيرية ونحنا ياجدعان) ، وتم طبعهما على اسطوانة واحد في نفس العام .
وعندما خضعت سورية للاستعمار الفرنسي لحن صبحي سعيد لسلامة الأغواني مجموعة من المونولوغات التي هاجمت المستعمر وطالبته بالرحيل عن سورية . ومن هذه المونولوغات (البيت بيتنا والأرض لأبونا / وبأي عين جايين تنهبونا) و(أنا قلبي دايب) و( شو جايي تعمل ياجراد) وغيرها مونولوغات كثيرة ، أقضت مضجع المستعمرين . فتعرض الاثنان لمضايقة سلطات الاحتلال . وعندما تحقق لسورية الجلاء عام 1946، لحن صبحي سعيد للأغواني عدة مونولوغات ابتهاجاً بالاستقلال ، من أجملها مونولوغ (اليوم العيد وبكره العيد) . كما لحن له الكثير من المونولوغات الاجتماعية التي تناولت بالنقد العادات الاجتماعية السيئة . ومنها (غلاء الأسعار) ،(اعمل معروف انتبه وشوف) ،(ياسوري حاجي تبذير) . وزاد عدد المونولوغات التي لحنها صبحي سعيد لسلامة الأغواني أكثر من ألف مونولوغ .
في الأربعينات من القرن العشرين زار صبحي سعيد بيروت والقدس ، ولحن العديد من الأغنيات لمطربات ومطربي المدينتين . كما سجل إ ذاعتي بيروت والقدس العديد من المقطوعات الموسيقية ، منها مجموعة من السماعيات من مقامات موسيقية مختلفة .
وعند افتتاح إذاعة دمشق الوطنية بعد الجلاء عام 1947 ، كان صبحي سعيد من أوائل العاملين فيها ، وتولى قيادة فرقتها الموسيقية التي كانت تضم أقطاب الموسيقا في دمشق ، مثل عازف القانون سليم سروة وعازف الناي بدر الدين حلبية وضارب الإيقاع محمد العاقل وعازف الفيولونسيل زهير بقدونس وعازفي الكمان ياسين العاشق وعبود عبد العال .
ولم تطل إقامته في دمشق ، إذ سافر إلى القاهرة بدعوة من المطرب محمد عبد المطلب لقيادة فرقته الموسيقية . ليعود بعد عامين إلى دمشق ، ويعمل ضمن فرقة إذاعة دمشق الموسيقية . وليتفرغ للتأليف الموسيقي والتلحين حتى وفاته عام 1960 . وخلال مسيرته الموسيقية قام بتدريس الموسيقا في مكتبه بسوق الخجا القديم الذي كان موقعه على امتداد واجهة قلعة دمشق . ومن الذين تتلمذوا على يديه الموسيقيين محمد محسن ورفيق شكري وعبد الغني الشيخ وعزت الحلواني والياس حداد وغيرهم .
ترك صبحي سعيد إرثاً كبيراً من الأعمال الموسيقية والغنائية ففي مجال التأليف الموسيقي وضع عدداً كبيراً من السماعيات من مقامات مختلفة ، إضافة إلى عشرات المقطوعات منها ( عواطف)،(فكرة)،( ذكرى)،(خواطر)،(حبايب)،(بشائر)،( نجوى)إضافة إلى العديد من اللونغات والتقاسيم على العود .
وفي مجال التلحين وضع الكثير من الألحان الغنائية . فلحن لتلميذه رفيق شكري في بداياته أغنية ( لما هويتك ماكانش ذنبي) كلمات عزت الحصري . ولحن للمطرب أحمد ميرزا العديد من الأغنيات مثل(ياسالبة قلبي) كلمات المطرب نفسه، وأعطى المطرب محمد العاقل عدة ألحان ، كما لحن للمطربة الفلسطينية ماري عكاوي ( ياطيرة)التي حققت بلحنها القوي نجاحاً كبيراً . وأعطى صبحي سعيد للقوالب التراثية اهتمامه ، فلحن العديد من الموشحات ، منها موشح( ياأسيل الخد) الذي غناه المطرب فتى دمشق . لكن ميدانه الأرحب في مجال التلحين يبقى مع سلامة الأغواني ، كما مرّ معنا .
ومن نشاطاته الموسيقة الأخرى قيامه بتكوين فرقة موسيقية من ستة عازفين ، عرفت باسم سداسي صبحي سعيد ،وكانت تقدم حفلاتها الموسيقية من إذاعة دمشق المحلية . وكان برنامجها يقتصر على تقديم الأعمال الموسيقية دون الغناء .
وحال صبحي سعيد كحال جميع الموسيقيين والمطربين الرواد فقد انطوى ذكره تماماً ، رغم عطاءاته الكبيرة ورغم وجود تسجيلات كثيرة له في إذاعة دمشق .
توفي صبحي سعيد يوم الجمعة /20/ نيسان 1955.
أوتار أونلاين
تعلم الموسيقا وانت في المنزل عبر اوتار اونلاين من خلال الطلب التالي
طلب انتساب لاوتار اونلاين