محمد رجب … الموسيقي المنسي
المقال من إعداد: المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
محمد رجب موسيقي قدير ، لكنه عانى من الاهمال والنسيان . فطوى الزمن ذكره . ولم يعد يتذكره أحد ، على الرغم دوره المهم في النهضة الموسيقية التي شهدتها حلب منذ مطلع الخمسينات من القرن العشرين . وجزء من المشكلة كانت تكمن فيه . فقد كان لايحب الضواء والضجيج الاعلامي . وكان لايحب السفر والترحال . فلم يكن يغادر حلب إلا قليلاً .
ومحمد رجب ادلبي المولد والنشأة . ولد في ادلب عام 1922 . وفيها نشأ حب الموسيقا في نفسه . فتعلم مبادئ الموسيقا والعزف على العود على يد محمد قاسم آغا . وما أن شب حتى انتقل إلى حلب حيث الحركة الموسيقية المزدهرة . وفيها تابع تعلمه الموسيقا على يد كبار الموسيقيين ، حتى غدا متمكناً من التدوين الموسيقي ، ومن المقامات والأوزان والايقاعات الموسيقية . وفي عام 1949 تعرف على الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة . وعندما لمس الدكتور رجائي قدراته الموسيقية الكبيرة ، عينه مدرساً وموجهاً في المعهد الموسيقي الذي كان يملكه ويديره . وتتلمذ على يديه ـ في المعهد وخارجه ـ الكثير من الموسيقيين والمطربين منهم صباح فخري ونزار موره لي وصبري مدلل وابراهيم جودت وعدنان أبو الشامات وسمير حلمي والدكتور كمال صباغ الباحث الموسيقي الذي يعيش الآن في أوربا .
وعندما تأسست إذاعة حلب في نفس العام ، كان محمد رجب من أوائل العاملين فيها . وتولى رئاسة شعبة التدوين الموسيقي فيها ، إضافة إلى العزف ضمن فرقتها الموسيقية . فقد كان يجيد العزف على آلات العود والنشأة كار والكمان والمندولين . ومابين عامي 1955 و 1963 قام بتدريس مادة الموسيقا في ثانويات حلب ودار المعلمين فيها . وعام 1969 تولى رئاسة الفرقة الموسيقية في إذاعة حلب حتى عام 1974 . وفي نفس العام انتقل إلى دمشق، ليعمل عازفاً على العود في الفرقة الموسيقية لإذاعة دمشق لفترة قصيرة . ليعود بعدها إلى حلب ويستمر في عمله الوظيفي في إذاعتها حتى احالته إلى التقاعد عام 1981 . وعمل بعدها بالتدريس في معهد حلب للموسيقا . وهو معهد خاص ، كان يمتلكه ويديره الفنان ماجد العمري . وخلال عمله هذا قام بتدوين مجموعة كبيرة من الأغنيات لكبار المطربين العرب مثل محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وميادة الحناوي وماجدة الرومي وآخرين ، وصدرت في كتب عن دار الشرق بحلب . وفي عام 1990 تم تسميته في وزارة الاعلام خبيراً موسيقياً في الإذاعة والتلفزيون بقرار وزير الاعلام . ولم يكن الغاية من القرار الإفادة من خبرته الموسيقية ، وإنما توفير دخل جيد له يقيه الحاجة .
ولإن محمد رجب كان من الموسيقيين القلائل في حلب الذين يجيدون كتابة النوتة الموسيقية ، فقد كان يقوم بتدوين معظم الألحان والمقطوعات الموسيقية التي كانت تسجل في إذاعة حلب ، إضافة إلى تدوينه للتراث الغنائي الحلبي ، فحفظه من الضياع . وكان يتولى تنظيم الأرشيف الموسيقي للإذاعة . وقام أثناء عمله هذا بتحويل النوتات الموسيقية للأعمال الموسيقية القديمة من الاسلوب التركي القديم إلى الاسلوب الغربي الحديث .
وفي الجانب البداعي لحن محمد رجب مجموعة من الأغنيات من مختلف القوالب الموسيقية ( موشح ، قصيدة ، طقطوقة ، نشيد) . وزاد عدد أعماله ( مابين لحن ومقطوعة موسيقية)عن المئتين ، بعضها سجل في إذاعة حلب بأصوات مطربيها ، وبعضها الآخر بقي على الورق .وغنى ألحانه كبار المطربين والمطربات في حلب . منهم صباح فخري ، صبري مدلل ، روحية عبد القادر ، حسن الحفار ، مصطفى ماهر ،سحر . كما غنى من ألحانه بعض مطربي إذاعة دمشق خلال زيارتهم إلى حلب . أما نشاطه هو فلم يمتد إلى إذاعة دمشق . لذلك لانجد له أية تسجيلات فيها . كما وضع موسيقا وألحان عدد من المسرحيات التي قدمتها فرق حلب المسرحية ، منها مسرحية (ألحان ودموع) تأليف حسين سلانيك واخراج حقي المدرس ، وقفدمت على مسرح سينما رويال (سينما حلب حاليا) عام 1947 .
وفي مجال التأليف الموسيقي وضع الكثير من المقطوعات الموسيقية في القوالب الموسيقية التقليدية . فوضع العديد من المقطوعات في قالب اللونغا ، منها لونغا من مقام الراست لآلة البيانو ، ولونغا ثانية من نفس المقام لآلة الكمان الشرقي . ووضع عدة مقطوعات في قالب السماعي ، منها سماعي من مقام راست وسماعي آخر من مقام زنكلاه لآلة الفيولونسيل . وبعيداً عن القوالب الموسيقية التقليدية ، وضع محمد رجب مجموعة من المقطوعات الموسيقية ذات المواضيع المتنوعة ، من أجملها مقطوعة( من وحي الذكر ) لآلة العود بمرافقة الفرقة الموسيقية ، وهي عمل موسيقي صوفي جميل .
كان لمحمد رجب بعض النشاطات القليلة خارج سورية في مهرجانات عالمية ضمن الوفود السورية المشاركة فيها . ففي عام 1955 شارك في مهرجان وارسو في بولونيا . وفي عام 1957 شارك ضمن وفد سوري كبير في مهرجان الشباب العالمي بموسكو . وسجل لإذاعة موسكو عدة وصلات موسيقية على آلة النشأة كار . وفي عام 1967 شارك في مهرجا الشباب بالصين ، وشارك بالعزف الافرادي على آلبة النشاة كار في عدة حفلات . وفي شباط عام 1972 شارك في المسابقة الدولية لأغاني التضامن والسلام في المانيا الديمقراطية ( آنذاك) بنشيد ( لكل شعوب الأرض ) . وحصل على جائزة أجمل لحن في المهرجان . والنشيد كلمات عمر البابا ولحنه محمد رجب وغناه بصوته . ويقول مطلعه :
لكل الشعوب لكل الشعوب
وعبر النضال بكل الدروب
سلام وحب .. سلام سلام
سلام وحب .. سلام سلام
نال محمد رجب العديد من أشكال التكريم . فقد نال شهادة تقدير من المسابقة العالمية لأغاني التضامن والسلام في ألمانيا ( الديمقراطية ) عام 1972 ، ودبلوم شرف من معهد حلب للموسيقا عام 1982 ، وبراءة تقدير من وزارة الثقافة عام 1984 ، وبراءتي تقدير من نقابة الفنانين في عيدها عامي 1985 و 1994 .
واستمر محمد رجب في نشاطه الموسيقي ، حتى رحيله في الثالث والعشرين من نيسان عام 2002 .
تعلم الموسيقا وانت في المنزل عبر اوتار اونلاين من خلال الطلب التالي
طلب انتساب لاوتار اونلاين