محمد محسن
المقال من إعداد المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
محمد محسن ملحن سوري كبير شَدَتْ بألحانه أصوات غنائية عربية كبيرة، فتألقت معه وتألق معها. استطاع خلال رحلته مع الموسيقا أن يفرض نفسه ملحناً عربياً كبيراً، تلك الرحلة التي استمرت أكثر من ستين عاماً إلى جانب الملحنين الكبار محمد الموجي وبليغ حمدي وكمال الطويل والرحابنة وفلمون وهبي وغيرهم.
نشأته وبدايته
ولد محمد محسن في حي قصر حجاج بدمشق عام 1922، واسمه الحقيقي محمد الناشف، وشقيقه الفنان التشكيلي صلاح الناشف. درس في مدرسة صلاح الدين الأيوبي الابتدائية وفي التجهيز الثانية (أسعد عبد الله)، ونال منها شهادة الإعدادية. ظهر حبه للموسيقا وهو تلميذ في المرحلة الابتدائية، فكان ينفق مصروفه على شراء كتب الأغاني ويحفظها. تعلم الموسيقا والعزف على العود على يد الموسيقي صبحي سعيد الذي كان يملك مكتباً لتعليم الموسيقا في سوق الخجا القديم الذي كان ملاصقاً لقلعة دمشق، ولما كان مصروفه اليومي لايكفي لدفع أجور دروس الموسيقا، فقد كان يلجأ لبيع كتبه المدرسية لتوفير المال اللازم. وبدأ مسيرته الفنية مطرباً. ولحّن له أستاذه صبحي سعيد أولى أغنياته (أحلى يوم عندي قربك). وعند افتتاح إذاعة دمشق الأولى في مطلع الأربعينيات، انضم إليها مطرباً بمساعدة صبحي سعيد
الذي كان عازفاً على العود في فرقتها الموسيقية. وعمل في كورس الإذاعة ثم بدأ يقدم غناءه الإفرادي في حفلات إذاعية على الهواء مباشرة. وفي تلك الفترة تتلمذ على يد الفنان مصطفى هلال الذي لحن له عدة أغنيات منها (لقاء)، (أين كأسي). ثم بدأ التلحين لصوته. ومن هذه الألحان (يم العيون الكحيلة)، (الليلة سهرتنا حلوة الليلة).
في القـــدس
عندما توقفت إذاعة دمشق عن البث عام 1945 سافر إلى القدس. وتقدم إلى إذاعتها، وتم قبوله مطرباً وملحناً. وخُصص له في الإذاعة أربع حفلات شهرياً. وخلال عمله في الإذاعة تعرف على الموسيقي الفلسطيني حنا الخل، وتلقى منه دروساً في العلوم الموسيقية والتدوين الموسيقي، لتكتمل بذلك معارفه الموسيقية الضرورية للملحن. واستمرت إقامته في القدس ثلاث سنوات، لحن خلالها لعدد من المطربين الفلسطينيين مثل محمد غازي وماري عكاوي وفهد نجار.
إذاعة دمشق
بعد توقف إذاعة القدس عام 1948، عاد محمد محسن إلى دمشق ليبدأ مرحلة جديدة في إذاعتها. وبدأ يتجه للتلحين لغيره من المطربين والمطربات، لأنه شعر أن صوته لا يخدمه على المدى الطويل. وكان أول ألحانه لغيره أغنية (أنا شمعة) غنتها المطربة ناديا. أما ثاني ألحانه فكان للمطربة الكبيرة ماري جبران وعنوانها (يا محيرني).
وثالث ألحانه (دمعة على خد الزمن) لتغريد محمد. ونالت هذه الأغنية شهرة واسعة. وصارت مطربات دمشق يغنينها. والملحن لم يتقاض أي أجر على اللحن.
الانطلاقة
الانطلاقة الكبيرة لمحمد محسن كانت مع سعاد محمد، حين جاء صاحب شركة بيضافون من بيروت إلى دمشق، واتفق معه على أن يلحن لسعاد محمد ثلاث أغنيات هي (العمر يوم)، (وين يا زمان الوفا)، (غريبة والزمن قاسي)، تضاف إليها (دمعة على خد الزمن) وتُطبع هذه الأغنيات على أسطوانات الشركة. لكن قمة محمد محسن مع سعاد محمد كانت بلحنه الجميل لأغنية (مظلومة يا ناس) التي كتب كلماتها وكلمات الأغنيات الأربع السابقة زوجها محمد علي فتوح. وحققت (مظلومة يا ناس) دوياً فنياً. وأصبحت تذاع من جميع الإذاعات العربية. وبيعت الملايين من أسطوانتها. وانهالت طلبات التلحين على محمد محسن، فقد جعلته (مظلومة يا ناس) ملحناً مشهوراً. ومنذ ذلك الوقت (أواخر الأربعينيات) توزعت إقامة محمد محسن بين دمشق وبيروت. وبلغ عدد ألحانه لسعاد محمد اثنين وعشرين لحناً.
وفي عام 1951 تلقى محمد محسن دعوة من إذاعة الشرق الأدنى التي كان مقرها قبرص. فقدم غناءه عبر أثيرها ولحن فيها لعدد من المطربين العرب.
اكتشافان هامان
خلال عقد الخمسينيات من القرن الفائت، قدم محمد محسن للساحة الغنائية بألحانه مطربتين، أصبحتا فيما بعد من نجوم الغناء العربي. الأولى فايزة أحمد التي جاءت من حلب إلى دمشق في مطلع الخمسينيات، وكانت تؤدي أغنيات أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد. وعندما استمع إليها محمد محسن أدهشه صوتها، فلحن لها عدداً من الأغنيات كانت جواز سفرها إلى القاهرة. من هذه الغنيات (درب الهوى)، (ليش دخلك)، (مافي حدا ياليل)، والابتهال الديني (يارب صل على النبي)، ثم لحن لها في القاهرة
أغنية (شفتك جيتك يا سمارة). وبلغت ألحانه لفايزة أحمد عشر أغنيات وحواريتين مع عزيز شيحا.
أما المطربة الثانية التي اكتشفها فهي وردة الجزائرية التي قدمت إلى بيروت عام 1957، تسبقها اسطوانتها بأغنية (ياظالمني) وسمعة كبيرة. وكان أول من تلقفها الفنانان محمد محسن وفيلمون وهبي اللذان استمعا إليها في سهرة خاصة، ضمتهما مع لفيف من الصحفيين، فأعجبا بها. وكان محمد محسن اول من لحن لها. فلحن لها أول أغنياتها الخاصة (دق الحبيب دقة)، وكان فيلمون وهبي ثاني من لحن لها لأغنية (على شو ياحبيبي شو).
وفي نفس العام اصطحب محمد محسن وردة الجزائرية إلى دمشق. وفي البداية غنت في ملهى سانت جيمس (الكروان حالياً). وهوملهى شتوي. وغنت فيه في قمة الصيف، فلم تحظ بإقبال الجمهور. فاصطحبها محمد محسن إلى صاحب ملهى اشبيليا. وعرض عليه أن تغني وردة في ملهاه مجاناً لمدة عشرة أيام ، وتتكفل وردة بأجور الفرقة الموسيقية. فإذا حظيت بإقبال الجمهور، يتقاعد صاحب الملهى معها. ولم تمض أيام قليلة حتى غص الملهى بالجمهور. وتعاقد صاحب الملهى مع وردة بأجر كبير، لتبدأ من دمشق انطلاقتها الكبيرة. وخلال إقامتها في دمشق، لحن لها محمد محسن اثنتي عشرة أغنية أخرى، منها (مراسيل من ريحة الحبايب) و(على باب حارتنا يما) و(ياأغلى الحبايب على قلبي انا) والأغنية الوطنية (انا من الجزائر)، وآخر ألحانه لها كان في مصر، وهي أغنية (روّح ياهوى).
في بيروت
منذ أواخر الخمسينيات أصبحت إقامة محمد محسن في بيروت بشكل دائم. لحن خلالها لمعظم المطربين اللبنانيين. فلحن لفيروز عام 1971 (سيد الهوى قمري)، ولوديع الصافي (النجمات صاروا يسألوا)، ولنصري شمس الدين ثماني أغنيات أشهرها (ما أصعبك على القلب يا يوم السفر)، (ياما وياما لاموني). ولنجاح سلام ست أغنيات من أجملها (الليلة سهرتنا حلوة الليلة) التي كان قد غناها بصوته. ولسميرة توفيق ثماني عشرة أغنية أهمها الأغنية الوطنية (نسور السما). ولنجاة الصغيرة أغنيتين (العيد) و (أداري وأنت مش داري)، كما غنت من ألحانه (نسيت كيف نسيت) التي كان قد لحنها للمطربة مواهب. ونازك غنت من ألحانه عشر أغنيات آخرها
وأجملها (يا حلوة تحت التوتة) في القاهرة. وفي أواخر الستينيات لحن أغنية (أبحث عن سمراء) التي كان من المفروض أن يغنيها فهد بلان. لكنها ذهبت إلى محرم فؤاد الذي غناها في فيلم (عتاب). فكانت أجمل أغنيات فؤاد وحققت بها شهرة واسعة.
ومن المطربين اللبنانيين الذين لحن لهم محمد مرعي، حنان، رندة، نور الهدى، سعاد هاشم، نهى هاشم، هناء الصافي، هيام يونس، ميادة، طرب، نهوند، سهام شماس.
وخلال نفس الفترة لحن أيضاً لمجموعة من المطربين السوريين وهم كروان وأصالة نصري وأختها أماني وموفق بهجت ونورهان ومواهب وماري جبران وتغريد محمد وفهد بلان وسلوى مدحت ومها الجابري التي لحن لها عدة أغنيات منها قصيدة (أبداً نحن إليكم) من الشعر القديم، كما لحن لها
ثلاثة موشحات كان من المفروض أن تغنيها في مسلسل لكن رحيلها حال دون ذلك.
مرحلة القاهرة
في عام 1976 عندما بدأت الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل محمد محسن إلى القاهرة، ليبدأ فيها مرحلة جديدة من مسيرته وهناك استقبله بكل ترحاب محمد حسن الشجاعي رئيس دائرة الموسيقا في إذاعة القاهرة. وبدأ التلحين للمطربين المصريين. فلحن لمحمد رشدي (يا وابور الساعة 12)، ولمحمد قنديل النشيد الوطني الرائع (عهد الله)، ولعبد الغني السيد (عمري يا عمري)، وللثلاثي المرح (يا ماشي على درب الحلوين)، ومن المطربين
المصريين الذين لحن لهم أيضاً عادل مأمون، سعد عبد الوهاب، شريفة فاضل، فايدة كامل. وفي القاهرة تعرف على صباح ولحن لها تسع أغنيات منها (رجال أحلى من المال)، (سلم ع الحبايب)، (لله لله يا محسنين) في فيلم شارع الضباب، (يا صاحب هالصورة) في فيلم (حبيبة الكل) و (يمة في شب بهالحي).
واستمرت إقامته في القاهرة أربع سنوات. وبعد وفاة حسن الشجاعي، عاد إلى بيروت ليعاود نشاطه فيها. فلحن لسميرة توفيق أغنيات مسلسل (فارس ونجود)، ولصباح فخري أغنيات مسلسل (الوادي الكبير) ولإيلي شويري وطروب أغنيات مسلسل (الحلاق والكنز). ولحن أغنيات مسلسل تاريخي لفدوى عبيد.
عودة إلى دمشق
في مطلع التسعينيات عاد محمد محسن إلى دمشق، لتصبح مقراً دائماً لإقامته مع بعض الزيارات إلى بيروت. وأصبح مقـلاًّ في التلحين. ومن أهم ألحانه في هذه الفترة، أربع أغنيات لفيروز وهي (جاءت معذبتي)، (لو تعلمين)، (أحب من الأسماء)، (ولي فؤاد). ولحنها عام 1996، لكنها لم تصدر إلا عام 1999. بعدها توقف عن التلحين تماماً باستثناء ثلاث أغنيات لابنة الفنان رفيق سبيعي التي سجلتها في استوديو خاص، ثم ألغتها لأنها قررت عدم خوض غمار الغناء. وفي الأشهر الأخيرة حن إلى التلحين، فلحن قصيدة (تقول غداً). وسجلها في المنزل بمرافقة عوده. وقدم لي نسخة منها. إلا أنه لم يعطها أحداً من المطربين. ورحل يوم الثلاثاء الثالث عشر من شباط 2007, ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق.
محمد محسن والإعلام
بعد رحيل الفنان محمد محسن تداول الناس وأهل الفن كلاماً كثيراً عن الظلم الذي تعرض له محمد محسن، وبشكل خاص من قبل الاعلام. وبصفتي كنت أقرب الناس إليه في السنوات العشرين الأخيرة من حياته تقتضي مني الأمانة أن أتحدث بوضوح وصدق عن هذا الأمر .
فالفنان محمد محسن لم يظلمه أحد إعلامياً ولا فنياً بل كان هو منطوياً على نفسه، يحب الوحدة ويخاف مجابهة الميكرفون والكاميرا التلفزيونية والناس عامة. وبعلمي وعن طريقي عرض عليه التلفزيون العربي السوري أكثر من مرة إجراء مقابلات تلفزيونية معه، أو استضافته في سهرات خاصة له، لكنه كان يرفض دائماً، رغم إغرائه بدفع مبالغ مالية جيدة مقابلها وصلت إلى خمسين ألف ليرة سورية، كما عرض عليه
تلفزيون المستقبل استضافته ببرنامج (خليك بالبيت) لكنه اعتذر. وكان يرفض استقبال الصحفيين، ومن حسن حظي أنني كنت الاستثناء الوحيد في ذلك، بسبب الصداقة المتينة التي كانت بيني وبينه، وبالتالي الثقة الكبيرة التي كان يمنحني إياها.
هذا على الصعيد الإعلامي، أما على الصعيد الفني، فقد كان متردداً بين الاعتزال والتلحين منذ مطلع الثمانينيات. ولولا إقناعي له لكان اعتذر عن التلحين لفيروز عام 1996، لكنه وبعد إلحاحي الشديد لحن لها الأغنيات الأربع الأخيرة التي صدرت عام 1999 وتحدثت عنا قبل قليل، لكنه عاد ورفض التلحين لها بعد ذلك حينما اتصلت به قبل نحو عام من رحيله، طالبة منه أربعة ألحان أخرى .
وكانت إدارة التلفزيون العربي السوري قد طلبت منه التلحين لعدد من المطربين السوريين، مقابل أي مبلغ يطلبه من المال، لكنه كان يعتذر دائماً. من ذلك أنهم طلبوا منه تلحين اسكتشٍ عن سورية للمطربين الفائزين في برنامج (طريق النجوم)، لكنه اعتذر ورشح سعيد قطب لهذه المهمة.
وكان بين حين وآخر يحن إلى التلحين ويبدي إعجابه ببعض الأصوات الشابة ويتمنى أن يلحن لها، لكن هذه الرغبة سرعان ما كانت تزول. الا أنه تمنى بحرارة أن يلحن لصوتين أعجب بهما، وهما صوت ربا الجمال وصوت شهد برمدا التي أدهشته بأدائها وصوتها في برنامج (سوبر ستار) الا أن ذلك لم يحصل .
لم يخض محمد محسن غمار التأليف الموسيقي سوى ثلاث مقطوعات موسيقية وضعها لمسلسل الوادي الكبير . الأولى
سماعي من مقام بياتي ، والمقطوعتان الأخريتان ( الربيع ) و( زرياب ) .
أوتار أونلاين
تعلم الموسيقا وانت في المنزل عبر اوتار اونلاين من خلال الطلب التالي
طلب انتساب لاوتار اونلاين