“حسام الدين بريمو” جوقات فنية تغني
ادريس مراد
الجمعة 14 تشرين الأول 2011
أحب الغناء الجماعي فترك خلفه آلته الأساسية التي درسها “البوق الانكليزي” وأسس جوقات بأعمار مختلفة تحت اسم “لونا”، مكان للتربية الموسيقية، الذاكرة، الغناء العربي والشرقي الجميل بطريقة أكاديمية تجذب المتلقي بسهولة.
التقينا الفنان “حسام الدين بريمو” لنناقش معه الغناء الجماعي وأحوال جوقاته عبر الحوار التالي:
* حبذا لو نتعرف بإيجاز على الجوقات التي أسستها وتقوم بقيادتها؟
** أسست في البداية جوقة “قوس قزح” التي تتألف من أربعين مغنياً ومغنية محترفين وهواة وشاركت هذه الجوقة منذ تأسيسها في العديد من النشاطات الهامة منها افتتاح منتدى المرأة والتنمية عام 2003، واستقبال ملك “إسبانيا” وعقيلته بدمشق بحضور السيد الرئيس وعقيلته في قصر “العظم” في نفس العام، كما شاركت في العديد من المهرجانات السورية العربية، وحازت هذه الجوقة مجموعة من شهادات التقدير المحلية والعربية، ويضم “ريبرتوار” الجوقة قرابة /200/ أغنية تتوزع ما بين الموشحات القديمة والأغاني العربية الموزعة إلى أربعة أصوات وأخرى موزعة توزيعاً آلياً حديثاً وأغان شعبية من مختلف مناطق سورية وترانيم وأدعية إسلامية ومسيحية وأهازيج محلية وأغان غير عربية قديمة منذ القرن الرابع وحديثة.
أما جوقة “ألوان” فتتضمن سبعين طفلاً وطفلة يحبون الغناء على اختلاف ألوانه ويمارسونه بفرح ضمن جوقتهم المخصصة للأطفال بين (7 – 13) سنة، تقيم الجوقة منذ تأسيسها في 29/12/2003 حفلات خاصة بها، وتشارك في العديد من المهرجانات الدورية وغير الدورية وتسجل بأصواتها أغاني للمسرح والتلفزيون، وشاركت الجوقة في العديد من المناسبات.
وهناك أيضاً جوقة “ورد” أربعون منشداً ومنشدة أعمارهم بين 14 – 18 يجمعون حبهم لتراثهم إلى انفتاحهم على موسيقا الآخرين، بدؤوا مشوارهم في 29/12/2004.
قدموا حفلاتهم الخاصة إلى جانب مشاركتهم ويتضمن برنامج أغانيهم موشحات قديمة وحديثة، أغان أوروبية حديثة موزعة إلى (3) أصوات. أغاني بلغات أوروبية من القرنين السادس عشر والسابع عشر موزعة إلى (3) أصوات أغاني حديثة موزعة إلى (4) أصوات، أغاني عربية غير شائعة، أغاني عربية شعبية.
وجوقة جوقة “الشام” وهي جوقة للبالغين ينحصر اهتمامها بالتراث الغنائي العربي جميع مغنيها من الهواة المتفرغين لمهن أخرى تأسست في 2/5/2006.
وأخيراً جوقة “سنا” جوقة للصغار دون ست سنوات تأسست في 15/9/2007 بهدف إعداد الطفل فنياً ونفسياً واجتماعياً لذلك الفعل الراقي (الغناء الجماعي) بأسلوب يعتمد على خلط المسموع بالحركي والاجتماعي.
وكما أسسنا أوركسترا “ندى” وهذه أوركسترا مؤلفة من عازفين على مختلف الآلات المحلية والعالمية، أعمارهم متفاوتة يرافقون الجوقات الخمس في غنائها ويقيمون حفلات موسيقية خاصة بهم.
* لماذا هذا الاهتمام بالغناء الجماعي (جوقات)؟
** التراث الموسيقي العربي تراث غنائي في غالبيته الساحقة والانطلاق من الموسيقا الأكبر لتطوير المشهد الموسيقي المحلي غير صائب تماماً من وجهة نظري، فالمهتمون والمقبلون على سماع وأداء الموسيقا الغنائية أكثر بكثير من المهتمين بالموسيقا الآلية، هذا إلى جانب سرعة وسهولة التعامل مع الحنجرة قياساً إلى زمن إعداد عازف على آلة ما، ناهيك عن حبي للغناء الكورالي وممارستي له منذ مدة طويلة.
* برأيك ما أهمية الغناء الجماعي للمشهد الثقافي السوري؟
** أنا أصرّ على أن المجتمع الذي لا يغني في جوقات ولا يستمع إلى جوقات هو مجتمع ناقص ثقافياً، لأن الغناء الجماعي يمنح إحساساً بالانتماء للجماعة وبالتالي الانتماء للأمة، ويقوم هذا الإحساس على قبول وحب الانتماء للآخرين رغم الاختلاف عنهم، وأرى بهذا حاجة حضارية لأي أمة، فطريقة الغناء الكورالي المعتمدة على أن تغني لحناً يختلف عن اللحن الذي يغنيه الآخرون بالوقت نفسه، يربي لديك الإرادة في البحث عما يجعل من فنك ومن خلال الآخر فناً أجمل، وبالتالي الإرادة في التشارك مع من يختلف عنك بصياغة مجتمع أجمل.
* تهتم بالغناء الديني من الجهتين/إسلامي، مسيحي/ ما الذي تريد قولهُ في ذلك؟
** الغناء الديني أساس الغناء، فالعبادة ولدت الغناء المنظم، أما سبب اهتمامي بالجهتين فهو لكوني ابنهما معاً، فالمسيحية ديني والإسلام دين القومية العربية، نهلت من تراثهما فكرياً وفنياً، ففي طفولتي كنت أستمع لترانيم والدي ولتلاوة “عبد الباسط عبد الصمد” يومياً.
أما ما أريد قولهُ ببساطة فهو أن الموسيقا الدينية هي موسيقا بلادي، استعارها الدينان وبنيا عليها ترانيمهما المتشابهة إلى حدّ التماهي.
* الغناء الجماعي، هل كان له مكان في الموروث…؟
** شبه معدوم، فالناقلون حدثونا عن جوقات منذ القرن السابع لكن لم يوثقوا لنا لحناً أو شكل أداء، حتى تلك الأخبار كانت عن جوقات ترافق المؤدي الفرد بطل الموروث، وفي الوضع الحالي
مازلنا ننتج مغنين فرديين بالآلاف ونكاد لا ننتج جوقة كل عشر سنوات نراها تابعة في تكية أو مسجد أو كنيسة.
* الجوقات الخمس بأعمار مختلفة، لماذا عمد “حسام بريمو” إلى أن يؤسس جوقات لكل الأعمار؟
** هي لكل الأعمار والحالات، اختلاف الأعمار مقصود، واختلاف الحالات مقصود، نحن نتعامل مع الحنجرة، العلاقة مع حنجرة طفل عمره من 6 إلى 12 سنة، تختلف عن العلاقة مع حنجرة مراهق وأيضاً تختلف عن العلاقة مع حنجرة الناضج.
فقوس قزح كورال للناضجين، و”ورد” كورال للمراهقين، و”ألوان” كورال للأطفال، أما كورال “الشام” فالغرض من إنشائه مختلف، والهدف منه أن يغني من فاتهم قطار الغناء وليس الهدف هو تأسيس جوقة تغني على خشبة المسرح، بل جوقة تعيش حالة فرح الغناء.
* هل أنت مع الحداثة في الموروث؟ أي هل أنت مع تجديد الفلكلور…؟
** أنا مع الانفتاح والتطوير والتحديث، لكن انطلاقاً من الموروث وأصالته تماماً كالنخلة لها جذور ممتدة في باطن الأرض ولها جذور كثيرة تحت سطح التربة تنهل من البعيد نقاط الندى والنتيجة كائن باسق شامخ يشرق على البعيد ويرى من بعيد.
* في مؤلفاتك الموسيقية تعتمد على الأشياء الشعبية التي توصف بالبساطة وحديث الشارع الشعبي، لماذا؟
** ربما لأن المدرس هو الغالب على سلوكي وليس المؤلف الموسيقي، فأنا أبحث باستمرار عن لغة بسيطة لأن التبسيط هدف أساسي في التعليم، ومع جوقاتي أجد نفسي مدرساً في كل لحظة. أما في مؤلفاتي الآلية والتي ربما لا تفرق عنها شيئاً أكون أقل بساطةً.
* ما الآلات الشرقية التي تستطيع أن تخدم الموسيقا في زمننا الحالي…؟
** القانون والعود والناي والبزق آلات راقية يمكن دمجها مع الآلات الأخرى في تشكيلات ساحرة، وللموسيقيين عبر القرنين المنصرمين تجارب جيدة في تكرار العود ونجومية الناي والقانون وسحر الانفراد بالبزق، ولا يجب التفكير في إلغاء أحدها لأنها كلها أصيلة وقادرة رغم ضعف قوة صوتي العود والبزق وصعوبة تكرار الناي في التشكيلات.
وفي رأيٍ لمغني التينور السوري “الياس الزيات” يقول عن تجربة “حسام الدين بريمو”: «شخص له خبرة طويلة ومنذ وقت طويل يعمل في مجال الغناء الجماعي حيث كان مشرفاً على مدارس الأحد وعلى جوقات والأطفال وكان مسؤولاً في مجموعة من هذه المجموعات، وفيما بعد اهتم بالموسيقا أكثر وبالتالي عمل مع جوقة فرح، وتعمقت خبرته بعد دخوله المعهد العالي للموسيقا ما جعله يفكر بمشروعه “الجوقات” حيث إننا في سورية لا نملك كورالات محترفة، فأسس جوقة “قوس قزح” ومن ثم كورال رديف فكانت جوقة “ورد” ومن ثم تتالت الجوقات ليصل عددها إلى خمسة، وهذا المشروع فعلياً ملأ الفراغ الذي تعاني منه الساحة الموسيقية السورية في مجال الغناء الجماعي المهضوم حقه عندنا حيث يراد له الدعم الكافي والخبرة والجهد وبالتالي يبتعد العديد من الفنانين من هذا الشكل الغنائي، وهذه الأشياء موجودة عند أستاذ بريمو وبالتالي استطاع أن يطور جوقاته ليصنع لها مكانة في المشهدين الثقافي والموسيقي وهناك انسجام بينه وبين كل من يتعامل معه ولهذه أهمية قصوى في نجاحه الذي يعود بفائدة كبيرة للوطن».