الصمت-كيف نسمع الصمت


كيف نسمع الصمت؟
بقلم جوان قرجولي

هو صوت موجود بيننا بكثرة لدرجة أننا لا نقدر قيمته الفعلية حاله حال الفنون وتحديدا الموسيقا ,الصمت هو أول صوت يسمعه الإنسان فالجنين في رحم أمه وخصوصا في الأشهر الأولى يعيش بصمت سمعي وبصري وعليه فالإنسان معتاد على هذا الصمت إلى أن تنمو أذناه فيبدأ بسماع الصمت والأصوات الأخرى و ينمو قلبه فيبصر .
– الصمت حالة رومانسية . .
أجمل اللحظات الرومانسية التي يعيشها حبيبين هي تلك اللحظات الصامتة يتأمل كل حبيب بحبيبه الآخر والأجمل من ذلك مراقبتنا هذين الحبيبين الصامتين بصمت .
– الصمت حالة وجدانية نعيشها في شتى مراحل وتفاصيل الحياة . .
نحن نستقبل الحزن بصمت كما نستقبل الفرح بلحظة صمت , نحن نستقبل لحظة الأمان بعد الخوف بصمت, نستقبل الخوف قبلها بصمت ! نستقبل المفاجئة بشكل عام . . . بصمت .
– الصمت ينذر بالقادم ويقيم السابق . .
لنبحث سوية عن سبب خوف الناس من التجول في المقابر ليلا ,هل السبب هو احتمال صحوة الأموات ومفاجئتنا هناك ؟ طبعا لا و إلا فلماذا لا نخاف من نفس المكان نهارا؟
السبب واضح فصمت المكان وصمت الضوء ليلا هو ما يثير فينا هذا الخوف لدرجة أن أي صوت خافت يمكن أن يؤدي إلى خوفنا بشكل كبير ,إذا فاجتماع الصمت السمعي (هدوء الأصوات الحياتية الأخرى ) والصمت البصري (ذهاب ضوء الشمس وبقاء ضوء القمر الأكثر خفوتا ) هما ما يثير الخوف فينا .
بوجود الصمت نحن نتأهب للعاصفة وبوجود الصمت نحن نحصل على نتيجة العاصفة (أي تقييمها).
– الصمت حاجة . .
فحتى نسمع أصوات الطبيعة الجميلة (العصافير,الرياح ,المطر… الخ..) نحن بحاجة إلى صمتنا أولا وصمت من حولنا ثانيا .
وعلى هذان الصمتان يعتمد تذوقنا لكل صوت وعشقنا له وتمييزه عن أشباهه من أصوات الطبيعة فمثلا لنأخذ صوت المطر . .
يختلف صوت المطر القريب عن البعيد ,يختلف صوت المطر الهابط على الخشب ويختلف عن صوت المطر الهابط على المعدن وطبعا يختلف حسب قوة هذا المطر في كل حالة وليس هناك من شيء يساعد على الاستمتاع بكل هذه المؤثرات أكثر من صمتنا وإنصاتنا لها.
أقترح أن يمارس كل منا يوميا الصمت والاستماع إلى أصوات الطبيعة بصمت حتى يستمع كل منا إلى روحه ويغسل عنها الشوائب ,وهذا يعتمد على اختيار المكان والزمان المناسبين لذلك.

نحتاج للصمت لحظة الإبداع الفني,نحتاج للصمت حتى ننام ,نحتاج للصمت حتى نفكر ونخطط ,نحتاج للصمت حتى نتدرب ,نحتاج للصمت لنرتاح لنقرأ لنسمع الموسيقا .

– الصمت وسيلة مقدسة . .
إن حاجة كل شخص مؤمن للصمت هي حاجة مقدسة لكي يستطيع هذا المؤمن التعبد ويسعى للقاء روحي لا مثيل له وهذا اللقاء لا يمكن أن يتم إلا بوجود الصمت داخله.

– الصمت غاية . .
إن كل إنسان يسعى في حياته على الحصول على لحظات صمت خاصة يعيشها لوحده دون مقاطعة حتى من أعز محبيه لكن نحن على يقين أنه من المستحيل أن يحصل أحدنا على هذا الصمت (الصمت المطلق) إلا في مكان واحد فقط وهو .. القبر, أدعو جميع الناس أن يسعوا إلى الوصول إلى هذا الصمت المطلق ,ففي القبر لا هموم ,لا اتصالات, لا ديون, لا مشاكل , هناك فقط الصمت وما أجمل من هذا الصمت وحصولنا عليه يعني حصولنا على السعادة ,وطبعا حتى يكون هذا القبر صامتا يجب أن يعيش الإنسان حياتا تؤهله أن يحصل على هذه السعادة و إلا . . سيكون هناك الكثير من الضجيج !! والله أعلم.
– الصمت أسلوب عمل . .
هناك من يعمل دون أن يعمل ويصنع الضجيج لأمر ليس له أي أهمية إلا الغاية الشخصية وهم كثر في الحياة حيث نجد أحدهم يدفع للصحافة مثلا حتى تتصدر صورته إلى جانب المسؤول الفلاني أو المدير الفلاني ويقدم هذا التصرف على أنه شخص يعمل في حين أن هناك من يعمل ليلا نهارا لمصلحة الجميع لكن ما يميزه عن غيره أنه يعمل بصمت ,لا يهتم بالمتاجرة بعمله لأنه يؤمن بأنه يسعى إلى السعادة .
– الصمت أغلى ما يملك الإنسان . .
لنراقب حياتنا نجد أن الروح هي أغلى ما يملكه الإنسان فهو على استعداد لفعل أي شيء حفاظا على روحه . .لكني أعتقد أن هناك ما يعادل الروح بغلاها ,فنحن نعلم أن هناك يوميا من يقدم روحه فداء لفكرة أو مبدأ يعيش فيه وهو ما يسمى لاحقا بالشهيد لنمعن النظر فينا ماذا نقدم لهذا الشهيد لقاء روحه ؟ هل نقدم له آلاف الليرات؟ هل نقدم له منزل؟ هل نقدم له رتبة ما؟ طبعا لا فكل هذه الحاجات المادية لا تساوي الروح لكننا نقدم لهذا الشهيد . . دقيقة صمت ! ! هي أغلى ما نملك وقد نكون نؤكد على أن هذا الشهيد قد وصل إلى الصمت المطلق والسعادة الحقيقية.
– الصمت أخلاق . .
إن أخلاقنا التي تربينا عليها تفرض علينا الاختباء وراء الصمت حتى نعبر عن الاحترام فمثلا لو أننا راقبنا شاب في مجلس من الكبار سنا وقدرا لكنا قررنا أن لهذا الشاب أخلاق عالية لو أنه اكتفى بالصمت أثناء حديث هؤلاء الكبار بينما لو أنه تحدث لبدأنا بأخذ فكرة أن هذا الشاب (قليل الأدب !) .
مثال آخر: لو زارنا أحد الأصدقاء ومعه ابنه الصغير ,إن الشيء الوحيد الذي حببنا في هذا الطفل بالإضافة إلى طفولته هو هدوءه أثناء الزيارة وبالتالي صمته فحن نسمع البعض يقول “إن ابنكم عاقل ومربى فنحن لم نسمع صوته أبدا !!” لكن ماذا سيكون رأينا فيه لو أنه أمطرنا بضجيجه أثناء الزيارة ؟ ! !
– الصمت جمال . .
نقدر الجمال (جمال الطبيعة) لصمتها فنحن نسمع الفنانين وتحديدا الرسامين يقدمون (طبيعة صامتة) ونحن نستمتع بهذا الجمال لصمته سواء في لوحة فنية من إبداع إنسان أو اللوحة الفنية المثلى الحية التي هي من إبداع الخالق .
أحيانا نلتقي بشخص ما نقيمه على أنه جميل الشكل يحدد ذلك ما نراه منه ولكن بصمت وفي عدد كبير من الحالات يتحول هذا الجمال إلى قبح عندما يتحدث هذا الشخص فنسمع ضجيج داخله أو نسمع طريقة كلامه !!
نحن نستمتع بجمال الكون عندما نقوم بالرصد الفلكي ,نحن نعلم أننا حتى نحصل على الرصد يجب أن نحصل أولا على الصمت البصري (الليل) وهنا نستطيع مراقبة النجوم والكواكب ونستمتع بجمالها وبالصمت الذي يحيط بها وحسب ما أعرف من أصحاب الشأن في هذا المجال أنه أجمل صمت.
– الصمت لغة . .
كلنا يعرف أن الصمت أبلغ من الكلام فلو سألنا شخصا ما (هل تريد أن تربح مليون ليرة؟) وكان الجواب صمت ماذا يعني ذلك؟ . . يعني موافق ولو أننا سألناه (هل تريد أن تخسر ؟) وكان الجواب صمت ماذا يعني ذلك؟ . . يعني غير موافق.

– الصمت سلاح ذو حدين . .
الصمت كما كل شيء في هذه الحياة سلاح ذو حدين (العلم ,الحب … ساح ذو حدين) ترى هل الصمت العربي والعالمي عن قتل الأبرياء مبرر ؟
– الصمت والضجيج متنافرين متجاذبين جميلين . .
إن أجمل التجاذب هو التنافر ,على الإنسان الاختيار بين الضجيج ليروح عن نفسه في بعض الحالات (الضجيج في حفلات أعياد الميلاد, الاحتفالات. .) والصمت في حالات غسيل الروح ولا يجوز الخلط بين هذا وذلك. كما لا يجوز العيش بصمت دائما !!.
– الصمت في الموسيقا . .
يقسم الصمت في الموسيقا إلى محورين :
الأول- هو الصمت الموجود بين الجمل الموسيقية وهو يعطي المجال للمستمع أن يتذوق ما سمع ويحضر روحه للقادم من الموسيقا. وهنا تكمن حرفية الفنان الذي يقدم العمل الموسيقي مباشرة إلى الجمهور فعليه أن يختار بدقة توقيت تواجد هذا الصمت ومدة طوله أو قصره فلو وضعه في التوقيت الخطأ قد يؤثر سلبا على رد فعل الجمهور ,أما إذا كانت فترة الصمت طويلة أو قصيرة فإنها تؤدي نفس رد الفعل السلبي لدى الجمهور .
الثاني: هو تقديم الموسيقا بدون كلمات (بدون غناء) وهنا يسمى هذا النوع بالموسيقا الصامتة وهي تحتاج من المستمع الى ثقافة وخيال أعلى من المستمع الذي يعتاد على سماع الأغنيات فقط. فالموسيقا الصامتة تفتح المجال لمخيلة المستمع لتحلق كما تشاء دون شرح اتجاهات هذا التحليق وهنا يحافظ كل إنسان على خصوصية مشاعره وأحاسيسه دون أن يتقيد بمشاعر وأحاسيس الآخرين حال ذلك حال الصمت فليس كل إنسان بقادر على تذوق الصمت بنفس السوية التي يتذوقها الآخر فقد يعتبر أحدهم الصمت مضجر وقد يعتبره الآخر جميل وهذا بيت القصيد من ثقافة كل فرد.

جوان قرجولي


log in

reset password

Back to
log in