انطوان زابيطا


انطوان زابيطا..موسيقي عربي باسلوب غربي

 المقال من إعداد المؤرخ الموسيقي: أحمد بوبس

انطوان زابيطا عازف ومؤلف موسيقي وملحن وأستاذ للعديد من الموسيقيين والمطربين الحلبيين الذين صقلت مواهبهم على يديه . وهو من الموسيقيين الرواد الذين سخروا علومهم الموسيقية الغربية لخدمة الموسيقا العربية بعد ان تعمق في هذين الفرعين من الموسيقا في آن معاً.

ولد انطوان زابيطا عام 1914 في مدينة حلب . وكان والده يعمل قواساً قي كنيسة اللاتين يحلب وظهرت مواهبه الموسيقية وهو طفل. ولما كان والده موسيقياً يجيد العزف على آلة الكمان ، فقد تولى بنفسه تعليم ابنه الموسيقا . فعلمه العزف على الكمان ومبادئ المعارف الموسيقية . وفي التاسعة من عمره تتلمذ انطوان على يد الموسيقي الكبير كميل شامبير ، فأخذ عنه العلوم الموسيقية الغربية والشرقية، كما تعلم منه العزف على البيانو حتى أجاده . وظل انطوان ملازماً لكميل شامبير حتى رحيل شامبير عام 1934.

عمل أنطوان زابيطا في عدد من الوظائف الإدارية ، وأبقى الموسيقا في نطاق الهواية ، قبل أن يتفرغ لها تماماً . فانضم إلى فرقة موسيقا الجيش. وفي هذه الفرقة تعلم العزف على آلة الكلارينيت، وتزود بمعلومات كثيرة عن آلات النفخ النحاسية والخشبية والعزف عليها وطرائق التأليف لها ن ومالبث ان تولى قيادة الفرقة. وفي الليل كان يعمل عازفاً على عدة آلات ضمن الفرق الموسيقية على مسارح حلب مع كبار مطربي المدينة.

في عام 1934 بدأ نجم انطوان زابيطا يلمع خاصة بعد وفاة أستاذه كميل شامبير في ذاك العام ، وفرض نفسه على الأوساط الموسيقية  موسيقياً متمرساً ولما يتجاوز العشرين من عمره ، واعتبره كثيرون خليفة للراحل شامبير. وبدأ نشاطه بتشكيل فرقة للترتيل الكنسية ، ضمت مئة وخمسين منشدة ومنشداً . قدمت التراتيل الكنسية والأعمال الغنائية المنوعة . وكلفته كنيسة اللاتين في حلب بالعزف على الأرغن الفريد من نوعه الذي لايوجد له مثيل إلا في القدس  . وتمكن بنبوغه من جعل هذه الآلة الغربية تعزف الأنغام الشرقية والغربية على حد سواء. وآلة الأرغن هذه هي أكبر آلة من هذا النوع في الشرق الأوسط. وكانت الصلوات في تلك الكنيسة تستقطب جماهير كبيرة من المصلين الذين كانوا يحضرون لسماع العزف على الأرغن منه وإلى تراتيل الكورال بقيادته. وتتلمذ على يديه الكثير من هواة الموسيقا الذين تعلموا منه العزف على آلات البيانو والكلارينيت والترومبيت والساكسافون.

في نفس الوقت عمل انطوان زابيطا في التعليم الموسيقي ، فتتلمذ على يديه العديد من الموسيقيين الذين تعلموا منه العزف على البيانو وآلات النفخ النحاسية والخشبية مثل الكلارينيت والترومبيت والساكسفون . ولكن عندما تعرضت دمشق وبرلمانها للعدوان الفرنسي في التاسع والعشرين من أيار عام 1945 ، استنكر هذا العدوان الفرنسي الغاشم ، وقدم استقالته  من عمله في فرقة موسيقا الجيش التي كانت تابعة لسلطات الاحتلال الفرنسي .

في عام 1948 افتتحت في حلب إذاعة رسمية فكان أنطوان زابيطا من أوائل  العاملين فيها . وتولى في الإذاعة عدة مهام منها رئاسة الدائرة الموسيقية ومراقب موسيقي وعضو في لجنة الاستماع. وعمل مع زملائه الموسيقيين على ضم المواهب الموسيقية والغنائية إلى الإذاعة . وأقام لهم دورات تعلموا فيها المعارف الموسيقية الضرورية لهم كعازفين وملحنين ومطربين . ومن تلاميذه المطربة الحلبية الهام والمطربة يولاند أسمر التي اشتهرت باسمها الفني (بسمة) والمطرب ادمون حداد الذي اشتهر فنياً باسم (سمير حلمي) . وقدم لهم العديد من الألحان . ومن تلاميذه أيضاً كنعان وصفي الذي بدأ حياته الفنية مطرباً في حلب، ثم انتقل إلى القاهرة ليصبح ممثلاً سينمائياً.

وفي أواخر عام 1961 انتقل انطوان زابيطا إلى بيروت بدعوة من وزارة التربية في لبنان ، حيث عمل في التدريس بالمعهد الموسيقي الشرقي فيها . وفي ذاك المعهد قام بتدريس الآلات الهوائية النحاسية والخشبية . وخلال عمله في بيروت شكل العديد من الفرق الموسيقية الغربية والشرقية، منها فرق لموسيقا الحجرة كانت تقدم الأعمال الموسيقية الكلاسيكية الأوربية وفرقة للكورال . وقدم عبر أثير الإذاعة اللبنانية العديد من البرامج الموسيقية النقدية والتحليلية . واستمر في عمله ونشاطه في بيروت حتى وفاته عام 1979 عن سبعة وستين عاماً. وخلال وجوده في بيروت طلب منه الأب منصور لبكي القيام بتوزيع جميع ألحانه الكنسية. كما كان انطوان يرافقه كل أحد بالعزف على أرغن الكنيسة

على الصعيد العائلي تزوج انطوان زابيطا وأنجب ولداً (كريم) وابنة (جورجيت). وورث منه ولداه حب الموسيقا. فتعلم كل منهما العزف على آلة البيانو. وتابعت جورجيت دراستها الموسيقية، حتى غدت أستاذة قديرة لهذه الآلة.

امتاز انطوان زابيطا بتعمقه بالموسيقا الغربية والشرقية. وسخر معارفه في الموسيقا الغربية لخدمة الموسيقا العربية . كما امتاز بإتقانه العزف على عدة آلات موسيقية غربية وشرقية. فقد كان يعزف على البيانو والكلارينيت والأرغن.

وخلال مسيرته الموسيقية التي استمرت نحو خمسة وأربعين عاماً ، خاض انطوان زابيطا غمار التلحين والتأليف الموسيقي . والتلحين لم يكن هاجسه الأساسي ، لذلك كان مقلاً فيه، بينما صرف جهده الأساسي نحو التعليم وتشكيل الفرق الموسيقية وفرق الكورال . وكان اهتمامه في مجال التلحين محصوراً بالدرجة الأولى بتلامذته . فلحن لتلميذته المطربة إلهام عدة أغنيات منها ( ع درب الهوى ) و( تعبوا المناديل) وقصيدة ( يانديمي) شعر مصطفى عبد الرحمن  وقصيدة ( سيبقى هوانا) للشاعر خليل خوري . ومن ألحانه للمطربة بسمة أغنية ( أزهار الحياة ) ومجموعة من أغاني الميلاد . وله ألحان قليلة للمطربتين زكية حمدان وسحر والمطرب سمير حلمي . ولحن عدداً من الحواريات الغنائية لسحر وسمير حلمي .وفي بيروت لحن لعدد من المطربين والمطربات ، منهم حياة الغصيني التي لحن لها ( ع دروبنا حكايات )، وغنت المطربة كروان من ألحانه (ياريتني زهرة) كلمات الشعر الغنائي اللبناني مارون نصر. وفي بيروت اشترك مع الأب منصور لبكي في ابداع عدد كبير من التراتيل الدينية منها( صلاة الفقير) و( علمني حب الله).

أما في مجال التأليف الموسيقي ، فقد كان أكثر عطاء . إذ وضع الكثير من المقطوعات الموسيقية . ومن المقطوعات الموسيقية التي أبدعها ( بزوغ الفجر) و ( أنغام الربيع) و ( الشمس وراء الأفق) و ( عندما تصحو العيون) و ( تغريد الكروان) . ووضع العديد من الأعمال الموسيقية لآلة البيانو وأخرى لآلة الكلارينيت . وخص آلة الأرغن بالعديد من المقطوعات الموسيقية ، ومنها ( الوردة الذابلة) . وهذه الآلة تستخدم في الكنائس . وله في المكتبة الموسيقية في إذاعة دمشق تقاسيم على الاكلارينيت والبيانو والآلات النحاسية الأخرى التي يجيد العزف عليها. فهو أول من عزف التقاسيم الشرقية الصميمة على هذه الآلات الغربية، باستثناء البيانو الذي كان أستاذه كميل شامبير قد سبقه في عزف التقاسيم عليها . وهذه حالة نادرة ، إذ أن التقاسيم تكون عادة للآلات الشرقية مثل القانون والعود والناي .وحاول انطوان زابيطا بعزفه على البيانو والكلارينيت إضفاء الطابع الشرقي على موسيقاه بالقدر الذي تسمح به هذه الآلات . كما وضع عدداً قليلاً من السماعيات من مقامات مختلفة، منها سماعي من مقام الهزام وردت نوتته في كتاب من كنوزنا لمؤلفه الدكتور فؤاد رجائي. ولايخلو هذا السماعي وغيرة من تأثيرات الموسيقا الغربية التي تعمق فيه . وسجل زابيطا على البيانو عدداً من الأعمال الموسيقية الكلاسيكية الأوربية  لمشاهير الموسيقيين الأوربيين مثل باخ وهاندل.

وفي مجال البحث الموسيقي وضع دراسة للأنغام الموسيقية ، قام المعهد الموسيقي اللبناني – الذي يدرس فيه – بطباعتها . وعرض في ادخال العلوم واآلات الموسيقية الغربية إلى الموسيقا العربية، سواء في العزف أو التلحين أو التأليف الموسيقي.

في السنوات الأخيرة من عمره أصيب انطوان زابيطا بشلل نصفي أقعده عن النشاط. وتوفي عام 1979 ودفن ببيروت. وخلف بعد رحيله مجموعة من المؤلفات الموسيقية، قامت أسرته بجمعها بعد وفاته وإصدارها في شريطي كاسيت بعنوان (حضارة باقية) و(فصول موسيقية).

 

أوتار أونلاين.


log in

reset password

Back to
log in