شاكر بريخان.. الفنان الشامل
بقلم المؤرخ الموسيقي : أحمد بوبس
شاكر بريخان هو بحق فنان شامل . فقد برع في العديد من الفنون . كان مخرجاً إذاعياً وممثلاً ، لكن ميدانه الأكثر رحابة كان الشعر الغنائي والتلحين .فأبدع فيهما أعمالاً غنائية متنوعة نالت شهرة واسعة ، وضعته في مصاف الكبار من الملحنين .
ولد شاكر بريخان في حلب بحارة الجلوم عام 1926. وظهرت مواهبه الفنية وهو طالب في المرحلة الاعدادية . وكان لديه ميل للتمثيل والموسيقا وكتابة الزجل .
بدأ شاكر بريخان مسيرته الفنية في عام 1956 معداً ومخرجاً للبرامج الإذاعية في إذاعة حلب . ومن أشهر البرامج الإذاعية التي اعدها وأخرجها ( سهرة المكرفون) الذي اكتشف وقدم من خلاله عدداً من الأصوات الغنائية. كان أولهم المطرب سمير حلمي الذي شارك في إحدى حلقات البرنامج بالغناء أمام لجنة ضمت عزيز غنام وممدوح الجابري ونديم الدرويش ويحيى المنجد وكان سمير يغني باتقان وجرأة ،وكانت موهبته واضحة ،واسمه الحقيقي ادمون حداد ، وشاكر بريخان هو الذي اختار له اسمه الفني ( سمير حلمي ) .
واكتشف شاكر بريخان من خلال برنامجه أيضاً المطربة مها الجابري واسمها الحقيقي ميسر الجابري ، والمطربة سحر واسمها الحقيقي فضيلة مقلة . وهو الذي أطلق على المطربتين اسميهما الفنيان .
في نفس الوقت كان يكتب للإذاعة كلمات الأغنيات التي تحتاجها ، من اشهرها ( أحبابي الغاليين ) التي ركب كلماتها على موسيقا ( شيش كباب ) ونالت الأغنية شهرة جيدة . لكنه كان يلاحظ أن الكلمات تخرج معه ملحنة جاهزة ، فاختصر الطريق ، وأخذ يلحن الكلمات التي يكتبها. وقدم ألحانه إلى اللجنة الموسيقية في إذاعة حلب ، فنالت ألحانه اعجابها ، لما فيها من جمل موسيقية جديدة ، دون أن يتأثر بالألحان الشائعة . وتم اعتماده ملحناً .وكان مير الإذاعة آنذاك توفيق حسن .ومن أجل أن يكون تلحينه على أسس صحيحة ، طلب من عزيز غنام أن يعلمه النغمات والأوزان . وبذلك أصبح ملحنا ً .
وهو الذي أعطى فهد بلان لونه البدوي الذي اشتهر به من خلال أغنية ( آه ياقليبي ) التي غناها فهد مع سحر . ولكن كيف كان ذلك ؟
كان فهد بلان مردداً في كورس إذاعة دمشق . وقي عام 1959 حضر إلى حلب مع أحد الملحنين بدعوة من مدير إذاعة حلب توفيق حسن . وكان هدف الزيارة تسجيل لحن وضعه هذا الملحن لفهد . لكن اللجنة في إذاعة حلب رفضت اللحن ، فوقع توفيق حسن في ورطة ، فهو الذي دعا فهد . وطلب من شاكر بريخان انقاذ الموقف .وفي ذاك اليوم اجتمع شاكر بريخان في سهرة مع فهد بلان والملحن ، وكان بين الحضور أمين الخياط . وسيطر فهد على السهرة بالنكات التي كان يطرحها باللهجة البدوية . فلفت نظر شاكر بريخان وأوحى له بمطلع أغنية . وفي تلك الليلة أنهى شاكر بريخان كتابة الأغنية ، وكان عنوانها ( آه ياقليبي ) ،كما وضع لحنها . وكانت الأغنية على شكل حوارية . وفي اليوم التالي قدمها إلى مدير الإذاعة ، وعلى الفور تم تسجيل الأغنية على مسؤولية مدير الإذاعة وقبل سماع اللجنة لها . وشاركت فهد الغناء فيها المطربة سحر. وعندما استمعت اللجنة إلى الأغنية نالت اعجاب جميع أعضائها . وعقّب عزيز غنام على الأغنية قائلاً: ( ملحن جديد يخلق مطرباً جديداً ) . وكانت هذه الأغنية أول لحن حقيقي لشاكر بريخان . وعندما أذيعت حققت نجاحاً كاسحاً .وتم بعد ذلك تسجيلها للتلفزيون .
في مطلع الستينات انتقل شاكر بريخان إلى دمشق ، ليبدأ المرحلة الأهم في مسيرته الفنية . حيث تم تعيينه نائباً لرئيس دائرة الموسيقا في التلفزيون .وأول عمل قدمه في دمشق كان كتابته التمثيلية الكوميدية ( خدم سنة2000) التي مثل فيها سحر وأحمد عداس . وأول عمل غنائي لحنه اسكتش (عقد اللولو) الذي قدم عبر شلشة التلفزيون عام 1961، واشترك فيه نهاد قلعي ودريد لحام . وفي عام 1963 كان لقاءه المهم مع رفيق سبيعي عندما كتب ولحن له أغنية ( ياولد لفلك شال ) التي أحدثت دوياً فنياً، وأدخلته مجال التلحين من أوسع أبوابه . ثم كتب ولحن للفنان سبيعي عدة أغنيات أخرى منها( تمام تمام ) و (شروال أبو صياح) و( أوتوستوب ) و( لاتدور ع المال ) . وهو أول من لحن لمصطفى نصري الذي كان مردداً في الكورس . واول أغنية لحنها له ( عطشان ياصبايا ) كلمات انطوان مبيض ، ثم لحن له العديد من الأغنيات منها ( الفدائي ) . ولحن لمعظم المطربين السوريين مثل صباح فخري ومصطفى نصري ومها الجابري وموفق بهجت وأنعام صالح وجلال سالم وفاتن حناوي وياسين محمود ودريد لحام .
كتب شاكر بريخان ولحن العديد من الأغاني لثورة الثامن من آذار ، عبرت عن أهدافها وشعاراتها . فعندما قامت الثورة كتب ولحن ( حمداً لله على النصر ) وغنتها سحر . وعندما رفعت سورية شعار بترول العرب للعرب ، كتب ولحن ( بترول العرب للعرب ) وغنتها سحر . ويقول مطلعها
بترول العرب للعرب
لكل أمة العرب
يامنخود منو حقنا الكامل
يامنشعلو لهب
كما كتب ولحن للثورة ومكاسبها العديد من الاسكتشات . منها اسكتش (عايشين الثورة ) وكلماته لمنيف حسون ، واسكتش ( مكاسب ) كلمات منيف حسون أيضاً، وغناه رفيق شكري وسمير حلمي وسحر ومها الجابري ، واسكتش (للعالي ياطلاب المعالي) وغناه رفيق شكري وكروان وسحر وسمير حلمي. وكتب ولحن لرفيق سبيعي عدداً من أغنيات الثورة منها (سيروا على مايسر الله) و(قولوا الله) ,(لعبوا علينا) . وبعد نكسة حزيران لحن لمها الجابري ( رصّوا الصفوف ) كلمات فوزي المغربي . وبعد تعاظم العمل الفدائي بعد نكسة حزيران كتب ولحن لمصطفى نصري أغنية (يايما لاتبكي عليي) التي يقول مطلعها :
يايما لاتبكي عليي
أنا رايح أفدي الحرية
وساعة ماخبري بيوصلك
زغردي يما للفدائية
وعندما شرعت سورية ببناء سد الفرات كتب ولحن أغنية (رح نبني السد) . وأعطى لفاتن حناوي بالكلمات واللحن أغنية ( أحبها) عن سورية . وبعد حرب تشرين كتب ولحن لسلاح الجو نشيد (نحن النسور نسور سورية العرب) .
غنى من كلمات ولحن شاكر بريخان معظم المطربين السوريين وبعض المطربين العرب . ومن الذين غنوا ألحانه مصطفى نصري ، كروان ،سمير حلمي ،محمد عبد المطلب ، موفق بهجت ، رفيق سبيعي ، مها الجابري ، جلال سالم ، أنعام الصالح ، نهاد عرنوق ،ياسين محمود ، الثلاثي الأندلسي وغيرهم …
وفي المسرح ..لحن جميع السكتشات والأغنيات في مسرحيات الفنانين نهاد قلعي ودريد لحام مثل ( ضيعة تشرين ) و ( غربة ) و(كاسك ياوطن ) ، ولحن لهما لوحة ( الحكواتي ) في مسلسل ( ملح مسكر ) ..
وخاض شاكر بريخان غمار التمثيل ، فمثل في العديد من التمثيليات التلفزيونية والمسرحيات والأفلام السينمائية . وأول دور تمثيلي قام به كان في مسلسل (مذكرات حرامي) تأليف حكمت محسن واخراج علاء الدين كوكش . ثم كانت له مشاركات أخرى منها مسلسل ( من وحي الأغاني) التلفزيوني في منتصف الستينات من القرن الماضي ، وشارك بالتمثيل في أربع مسرحيات مع دريد لحام هي (ضيعة تشرين ) و( كاسك ياوطن ) و(شقائق النعمان . ومن مشاركاته التمثيلية في السينما فيلم ( المزيفون ) .
هذا غيض من فيض عطاءات الفنان الكبير شاكر بريخان التي يضيق المجال هنا عن الوقوف عليها كاملة لاتساعها وشموليتها . رحمه الله ، فقد كان انساناً بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى . كان وفياً وكريماً وشهماً وصديقاً صدوقاً ومحباً لكل الناس .
أوتار أونلاين