غالب طيفور.. الموسيقي المغيّب
المقال من إعداد المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
غالب طيفور موسيقي ملحن ومؤلف موسيقي . ولد في حماة عام 1911 . ظهر ميله للموسيقا وهو طفل ، فتعلم العزف على العود على يد عازف غجري . وفي سني فتوته أحاط ببعض الموشحات وموسيقا التراث . وتلقى تعليمه الابتدائي والاعدادي في حماة . ثم التحق بمدرسة دار الصنائع بحلب ، وحصل منها على الشهادة الثانوية الصناعية باختصاص النجارة والكهرباء والميكانيك ، وبعدها سافر إلى ايطاليا لاكمال اختصاصه بالكهرباء . وخلال وجوده في ايطاليا انتسب إلى أحد المعاهد الموسيقية المسائية ، ودرس النوتة الموسيقية والصولفيج . واستمرت دراسته في ايطاليا حتى عام 1939 ، ليعود بعدها إلى بيروت .
في بيروت عمل عازفاً على العود في إذاعتها ،. وخلال وجوده في بيروت تابع تعلمه الموسيقي ، فتعلم آلة العود بشكل علمي على يد قارنيك قازانجيان ، والتحق بالمعهد الموسيقي اللبناني الكبير . فتعلم العزف على الأكرديون والناي . واستمرت إقامته في بيروت ثلاث سنوات انتقل بعدها إلى إذاعة الشرق الأدنى ( لندن حالياً) ، ليعمل فيها عازفاً على الناي والأوكرد يون ، ولم يلبث قليلاً حتى أصبح مساعداً لرئيس قسم الموسيقا فيها ، وكان رئيس القسم آنذاك الموسيقي اللبناني وديع صبرة . وعندما ترك وديع صبرا عمله في الإذاعة ، تم تعيين غالب طيفور رئيساًً للقسم الموسيقي. وخلال عمله في إذاعة الشرق الأدنى استفاد من الموسقيين الألمان العاملين فيها ، وأخذ منهم الشيئ الكثير . واستمر عمله في الشرق الأدنى سنتين ونصف.
بعد الجلاء عاد غالب طيفور إلى دمشق ليساهم في تأسيس الإذاعة السورية ، فأوكل إليه وإلى مهندس انكليزي مهمة جلب الأجهزة وتركيبها ، لكن وفاة المهندس النكليزي جعلته يقوم بالمهمة لوحده ، فكان له الفضل في اطلاق صوت سورية عبر الإذاعة . وبدأ عمله في الإذاعة مشرفاً فنياً على أجهزتها . ثم تولى رئاسة شعبة الاسطوانات . وأتاح له عمله في الشعبة الاستماع إلى الاسطوانات الموسيقية والغنائية العربية والأجنبية ، فحصل على المزيد من الثقافة الموسيقية ، لاسيما في قوالب الموسيقا والغناء العربيين .
وخلال تلك الفترة بدأ نشاطه الموسيقي الابداعي . ولما كانت ثقافته الموسيقية في معظمها غربية ، فقد بدأ التأليف فيها ، فوضع العديد من المقطوعات الموسيقية الغربية ، واشتهرت له عدة أعمال منها ( ماريانا) التي أعجب الفنانون الأجانب بقوة موسيقاها . لكنه سرعان ماتحول إلى الموسيقا العربية ، فوضع الكثير من المقطوعات ضمن قوالبها مثل السماعي واللونغا .
ومع افتتاح الارسال التلفزيوني عام 1960 ، تم اختياره للاشراف على فرقة التلفزيون الموسيقية . وخلال فترة الوحدة بين سورية ومصر زار القاهرة مرات عديدة ، وسجل العديد من المقطوعات الموسيقية لإذاعتي القاهرة وصوت العرب ، منها سماعي حجاز و(رقصة المعبد) و( بنت الراعي ) .
أتاح له الفراغ الذي وفره له عمله في شعبة الاسطوانات أن يتجه نحو التأليف الموسيقي . فوضع الكثير من المقطوعات الموسيقية الشرقية والغربية . ومن مقطوعاته ( ليلة ممطرة)،( ليالي الشام) ،( تدمر) ، ( ثورة شعب ) ، إضافة إلى المقطوعات التي سجلها لإذاعتي القاهرة وصوت العرب .
وخاض غالب طيفور غمار التلحين في قوالب الغناء المختلفة . فنال الاسكتش الغنائي قسطاً لابأس به من اهتمامه . ومن الاسكتشات التي لحنها ( القطن) الذي كتب كلماته محمود اسماعيل وغناه ياسين محمود ، واسكتش ( الجزائر ) كلمات عبد الجليل وهبة وغناء ياسين محمود وهالة رمزي ، واسكتش( بائع الورد ) وغيرها . ولحن أوبريتأً واحدة هي ( العودة) عن فلسطين كلمات الأخوين رحباني ، وغنى فيها كروان وعدنان صادق والمجموعة .
ونالت الأغنية الشعبية نصيباً من ألحاته . فلحن لياسين محمود ثماني أغنيات منها ( عينيك الحلوة ) و ( لاتهديني منديلك ) ، ولحن حوارية ( تعلالي ياشاغلني) التي غناها ياسين محمود وأحلام . وغنت كروان من ألحانه عدداً من الأغنيات الشعبية مثل( ماأجمل الأزهار) . أما المطرب فتى دمشق فغنى لغالب طيفور عدة ألحان منها ( ياحلوة يللي سحراني ) . وخص المجموعة بعدد من ألحانه والتي منها (شعب العراق) كلمات نجاة قصاب حسن و (من الفجر يازين) . ولحن للمطرب اللبناي محمد مرعي أغنيتين هما (يالابسة الخلخال) و(ياوارده ع العين) التي قدمها معرجان الأغنية السورية تكريماً له . لكن أجمل الألحان التي وضعها كان موشح( هل شفى قلبك وعد ) الذي نظمه الأديب حسيب كيالي وغناه وديع الصافي . ومن المطربين الذين لحن لهم أيضاً فتى دمشق وأحلام زينب وميشيل بريدي وعدنان صادق والثلاثي الذهبي .
على الرغم من نجاح ألحانه ، إلا أن غالب طيفور قرر فجأة اعتزال الفن بسبب الانتقادات العنيفة التي تعرض لها ، فانصرف إلى العمل التجاري في مطلع الستينات من القرن العشرين ، بعد رحلة مع الموسيقا لم تتجاوز العشرين عاماً . قدم خلالها نحو / 150 / عملاً موسيقياً وغنائياً . واستمرت عزلته حتى عام 1974 ، حين استدعته الإذاعة اللبنانية ليكون مراقباً موسيقياً فيها . فعمل بجد ونشاط ، لكنه لم يستطع الاستمرار ، بسبب المتغيرات الكثيرة التي طرأت على الوسط الفني . فاعتزل من جديد وعادإلى عمله التجاري . وفي إحدى رحلاته التجارية إلى هونغ كونغ ، تعرض لحادث مؤسف أدى إلى وفاته عام 1977 بعيداً عن وطنه .
أوتار أونلاين