زيد جبري


المؤلف الموسيقي زيد جبري
نشر هذا الحوار في كتاب “الكلمة والنغم” من إصدارات جمعية صدى الثقافية الموسيقية عام 2009- تأليف إدريس مراد

ولد زيد جبري في دمشق عام 1975 حيث بدأ دراسته الموسيقية على آلة الكمان مع الأستاذ رياض سكر. تخرج من الأكادمية الموسيقية في مدينة كراكوف حيث درس التأليف على يد الأستاذ بويارسكي، حاز على الجائزة الأولى في مسابقة آدم ديدور للمؤلفين في مدينة سانوك عام 1997 عن مقطوعته (أغنيتين) للسوبرانو وأوركسترا وترية .
في عام 1999 شارك في ورشة عمل عالمية(بوكوف) في ألمانيا .عزفت أعماله في بولونيا، ألمانيا، مصر، تونس، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، أرمينيا (الفرقة الوطنية السيمفونية الأرمنية)، سوريا( الفرقة الوطنية السيمفونية السورية)، هولندا،(أنسامبل الحديث) وفي أوكرانيا.
حالياً يعمل كأستاذ مساعد لصف التأليف في أكادمية الموسيقا في مدينة كراكوف للأستاذ المؤلف كريستوف بينداريسكي.
من أعماله أغنيتان لسوبرانو وأوركسترا وترية(1997)، آدر لأوركسترا وترية (1998)، ثلاثي بيات للكلارينيت و الكمان و التشيلو(1999)، مقطوعة للكورال المختلط(2000)، مقطوعة للكمان والبيانو (2000)، كونشرتو للكمان و الأوركسترا الكبيرة(2000)، إلى ناهل للترومبيت والبيانو (2001)، مرآة لكورال مختلط(2001)، زمن الحجارة للباريتون والبيانو(2001)، موسيقا حجرة لأوركسترا وترية(2003)، ليفانتيه لكمانين وأوركسترا سيمفونية كبيرة(2003)، ليفانتيه2 لأوركسترا سيمفونية كبيرة(2003)، كونشرتو للكلارينيت و أوركسترا سيمفونية كبيرة(2004)، ليفانتيه3 للكمان وأوركسترا سيمفونية كبيرة (2004)، أورينتو غروسو للكلارينيت والتشيللو و الأوركسترا(2004)، كونشرتو رقم2 للكمان والأوركسترا(2005)، غليبتوس للفلوت والإيقاع(2005).

ـ من خلال عملك الذي قدمته الفرقة السيمفونية الوطنية السورية في حفلتها بقصر الأمويين للمؤتمرات لاحظت تأثرك الواضح بالموسيقا الكلاسيكية لشعوب ما بين النهرين وفي بعض مقاطعه وضعني في جو موسيقا (نينوى)، ماذا عن ذلك؟
نتاجي الثقافي من ثقافة المنطقة التي نعيش فيها والموسيقى التي سمعتها في طفولتي، مع احتمال تأثر أكثر في العمل الذي تحدثت عنه بالأعمال الأخرى، حيث يحتوي على أبعاد موجودة فقط في موسيقا المنطقة، وهذه الأبعاد (أرباع الصوت) يخاف العديد من المؤلفين استخدامها، لأنها لا تنسجم مع التآلف (الهرموني الغربي الكلاسيكي) وهذا يتحدث عنه كتاب (القومية في موسيقا القرن العشرين) لموزي كولوج المصرية (سمحة الخولي) حيث تتطرق من خلاله إلى المؤلف الأذري (غادجي بيكوف) الذي درس في موسكو وحين فشل في إيجاد لغة موسيقية أذرية ضمن سياق التقنيات الغربية اعتبر الأبعاد الموجودة في الموسيقا الأذرية أخطاء، وعندها قام بعملية الفصل بين الموسيقا الأذرية (المقام) وما كتبه ضمن إطار التقنيات الغربية ومن تجربته نجد أن من الأفضل عدم تكرار الخطأ، ومن الممكن مع التقنيات التي توصل إليها التأليف الموسيقي في القرن الواحد والعشرين، إيجاد لغة تجمع ما بين موسيقا المنطقة والموسيقا المعاصرة العالمية… وهذا ما رأيته أنت تأثراَ بموسيقا المنطقة.
ـ كيف للتربية الموسيقية أن تفتح الطريق إلى الثقافة؟
الإنسان قبل أن يتعلم الكلام يسمع الموسيقا من حوله، وكل هذه الأصوات الموسيقية، كانت أم لم تكن، تؤثر على الحياة النفسية للإنسان وعلى سلوكه، تأتي لحظات ويتصرف لا شعورياً ويكون تصرفهُ ناتجاً عن نوعية الموسيقا والأصوات التي يسمعها، هنا أتخيل حالة الضوضاء الفكري الذي يعيشه الإنسان المعاصر حين يسمع الكثير من الأصوات المؤذية وأنواعاً مختلفةً من الموسيقا السيئة والجيدة وما يسمى بالتلوث السمعي، أعتقد إننا بحاجة إلى خوض تجربة مثل التجربة التي خاضها الشعب الهنغاري على يد المربيين العملاقين (بيلا بارتوك وسلطان كوداي) حيث قام الاثنان بالبحث عن الموسيقا المجرية في المناطق البعيدة عن التمدن لتكون منبعها الأساسي وقاموا بصياغتها ضمن جوقات غنائية للأطفال وكتابتها وتوزيعها على مختلف الآلات التي يعزف عليها الأطفال وأصبحت المناهج التي يدرسها الأطفال الموسيقيون وغير الموسيقيين. ومجلدات ميكرو كوسموس للبيانو التي كتبها بارتوك هي أفضل دليل على ذلك.

ـ يقولون بأن علم النفس الموسيقي دراسة واسعة ومعقدة، كيف ترى أنت؟.
علم النفس الموسيقي هو أحد الاختصاصات التي نفتقد دراستها في بلدنا سوريا وأيضاً لا توجد لدينا دراسة بعض الاختصاصات الأخرى كالميزوكولوجي musicology (النظريات الموسيقية) بالإضافة إلى صف للتأليف الموسيقي. ومن الضروري أن تتواجد هذه الاختصاصات لدينا.
ولن أدخل إلى الموضوع الذي سألته لأنه ليس من اختصاصي.
ـ كيف يختلف المحتوى العاطفي للموسيقى بإختلاف الحالة النفسية؟
تختلف هذه المسألة وتتغير مع الزمن، حيث كان هدف المؤلف في العصر الرومانسي (التاسع عشر) في أوربا، إبراز العواطف والآلام، الأمر الذي سار عليه مؤلفو القرن العشرين، وكلنا نعلم كيف كان سترافنسكي يقول: (أنتجت هذا العام كذا وكذا من الأعمال)، نقرأ من خلال لغة (سترافينسكي) أنه لا يتحدث عن الإبداع الفني إنما عن الناحية الحرفية في صناعة الموسيقا ثائراً على الرومانسية.
وقام الدوديكافونيون (الإثنا عشر صوتيون) التجريد الموسيقا من قيمها وثقافتها التي كانت موجودة سابقاً وخلال عصور طويلة مضت، حيث أن الموسيقا منذ القرون الوسطى في أوربا وحتى بدايات القرن العشرين لم تتجرد يوماً من العواطف والأحاسيس.
نعيش الآن في مرحلة ما بعد الحداثة حيث يتمتع المؤلف الموسيقي المعاصر بجانب كبير من الحرية ليختار أدواته ولغته الموسيقية، أي أن المؤلف يكن أن يعبر عن مشاعره وأحاسيسه من جديد.
ـ الغناء الجماعي والغناء المنفرد، كيف تنظر إليهما كمؤلف موسيقي؟
تعتبر الكتابة الموسيقية للصوت البشري من أصعب أنواع الموسيقا، حيث يجب معرفة المساحة لكل صوت ضمن سياق التقنية الفائقة والحذر الشديد.
والغناء هو أقدم آلة موسيقية عرفها الإنسان وهنا أعود لمسألة التربية الموسيقية لأذكر أهمية الجوقات الغنائية في الجامعات والمدارس بالإضافة إلى جوقات الهواة.
تتم الكتابة والتعامل مع الصوت المتفرّد بشكل آخر ومختلف تماماً عن الجوقة الغنائية، حيث يسمح وحيث يسمح المؤلف للمغني المنفرد باستخدام العديد من تقنيات الغناء لأنه يستطيع ذلك. بينما يتم التعامل مع الغناء الجماعي كآلة واحدة وككل لا يتجزأ.
ـ كيف تنظر إلى الفلكلور وتطويره؟
تعلمت من الدروس في مادة علم موسيقى الشعوب (الإثنوموزيكولوجي)، عدم الثقة بتسجيلات ما بعد الحرب العالمية الثانية كمصدر للموسيقى الشعبية وغالباً في أوربا، والسبب يعود إلى دخول المدينة (راديو، تلفزيون) في حياة الشعوب، هنا أعود إلى بارتوك لأذكر كيف كان يذهب إلى أكثر القرى بعداً عن المدينة ليجلب المصادر الأساسية للموسيقا الفلكلورية، والسؤال هل نمتلك هذه الخاصية لأرشفة الفلكلور…؟!، إذا كانت لدينا ينبغي الحفاظ على هذا الكنز، وأداءه كما كان يؤدى منذ آلاف السنين.
وبرأيي الفلكلور ليس بحاجة إلى التطور، لأنه غني ببدائيته، ولكن الفلكلور يمكن أن يكون مصدر إلهام كما كان في موسيقا (بارتوك) الذي كان أكثر هنغارية وأكثر معاصرة.
للأسف يوجد العديد من (المؤلفين) الذين يدّعون تطوير الفلكلور ويحصرون الموسيقا الشرقية بسلم (الحجاز)، فيذكرونني بالأوربيين كما كانوا يتخيلون الشرق ومنهم (كورزاكوف) على سبيل المثال.
قال المؤلف الألماني (لاخنمان) في إحدى محاضراته في مدينة كراكوف: (أن الموسيقا القديمة ليست سوبر ماركت تستطيع أن تأخذ منها ما تريد وتحرّفه).
ـ كيف تقرأ المقطوعة الموسيقية؟
أقرأها من ناحيتين: الناحية التقنية ومن الناحية الجمالية، حيث أن الناحية التقنية تخص كل مستمع لذلك يجب أن يكون العمل الموسيقي مصنوعاً بشكل جيد. (وهذا صعب في بلدنا لعدم وجود صف للتأليف الموسيقي) وتطغو التقنية على قالب العمل بشكل عام مروراً بكل التفاصيل من التوزيع الأوركسترالي ونوع الهارموني. أما الناحية الجمالية فهي نسبية وتختلف من شخص إلى آخر، ومن الصعب أن يكون للمؤلف شخصية، أو لغة موسيقية خاصة، في حين يكتب الموسيقا في العالم ملايين المؤلفين، من الأمريكيتين إلى الصين مروراً بالشرق الأوسط والأوربا.
والناحية الجمالية غالباً ما تكون ضمن إطار قيم أخلاقية وهذا يختلف من مجتمع لآخر ولكنها في تقارب مستمر حيث أصبح العالم قرية صغيرة، وأعتقد بأن الكل مؤلف حريته في التعبير من القيم الجمالية التي يدافع عنها.


log in

reset password

Back to
log in