سامي الشوا …أمير الكمان
أحمد بوبس كاتب و مؤرخ موسيقي
ولد سامي الشوا في حلب عام 1889 واهتم والده انطوان بتعليمه الموسيقا منذ طفولته . استقر سامي الشوا في القاهرة منذ عام 1905، وفيها تابع تعليمه الموسيقي ، فتعلم النوته على يد الموسيقي منصور عوض. ولما كانت العائلة تنتقل بين سورية ولبنان ومصر ، فقد اكتسب سامي خبرة كبيرة من العزف على الكمان نتيجة احتكاكه بالعازفين الأوربيين ، فاستطاع بسرعة إتقان العزف على الكمان ليصبح من أبرع العازفين عليه .
وفي مصر عزف سامي الشوا ضمن أكبر الفرق الموسيقية ، منها الفرقة الموسيقية لكوكب الشرق أم كلثوم . وبدأ العزف معها منذ أن بدأت الغناء بمصاحبة اآلات الموسيقية عام 1926 ، في أولى حفلاتها العامة يوم الخميس الثاني من تشرين أول عام 1926 على مسرح دار التمثيل العربي. وصاحبها فيها تخت موسيقي ضم محمد القصبجي على العود وسامي الشوا على الكمان ومحمد العقاد الكبير على القانون ( رئيس التخت) ومحمود رحمي ضارب ايقاع . وأنشأ سامي الشوا وقاد فرقة موسيقية في معهد فؤاد الأول للموسيقا العربية في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين. كما عزف ضمن الفرق الموسيقية مع كبار المطربات و المطربين في مصر ، بدءاً من عبد الحي حلمي و حتى أم كلثوم و محمد عبد الوهاب . و اشترك في تخت العقاد الكبير . فقد كان يقوم بالتدريس في المعهد المذكور.
و سامي الشوا أول عازف يصاحب المنشدين في الغناء الديني فقد صاحب أمام المنشدين في مصر الشيخ علي محمود في إنشاده . والمعروف أن التقاليد تمنع مصاحبة الآلات الموسيقية للغناء الديني . و كان يسمح فقط بمصاحبة الدفوف . ومصاحبته للشيخ علي محمود في الانشاد الديني شجعه على عزف الأذان موسيقياً. فصوره أروع تصوير. وجعل آلة الكمان تنطق به.
القدرات الكبيرة في العزف على الكمان ، وشهرته الواسعة التي نالها ، جعلت سامي الشوا يتلقى الكثير من الدعوات للعزف ، سواء في البلدان العربية أو الأجنبية . ففي عام 1910 رافق أحمد شوقي في زيارة للأستانة . فعزف في حضرة الأمير يوسف عز الدين ولي عهد السلطان . فأعجب به الجميع ، وخاصة كبار الموسيقيين الأتراك . وتركز اعجابهم في نهايات القفلات الخلابة التي يطلق عليها في مصر القفلة الحراقة . ويطلق عليها أهل الشام البرمة .
وفي عام 1928 زار ايطاليا وعزف أمام ملكها وملكتها على كمان قديم ورثه عن جده يوسف الذي كان يعزف عليه أمام ابراهيم باشا . ومن الطريف أن سامي عزف على هذا الكمان على وتر واحد ، فأدهش الملكين، وأهدته الملكة هدية من الماس .
وفي عام 1931 زار برلين برفقة حسن باشا ، وأحيا حفلة في المعهد الموسيقي الرسمي ، فانتزع اعجاب الموسيقيين الألمان ببراعته . وطبعت معزوفاته على اسطوانات لصالح المعهد. وفي تلك الزيارة التقى العازف العالمي كوبليك وعزف أمامه عدة مقطوعات ، فانتزع اعجابه . وبعدها زار باريس وعزف في الكونسر فتوار الوطني .
وفي عام 1934 قام برحلة إلى الولايات المتحدة وأحيا فيها العديد من الحفلات حقق فيها نجاحاً كبيراً . وتكريماً له على تلك النجاحات، وبعد عودته إلى القاهرة أقامت له رابطة الأدب للشباب العربي حفل تكريم .
وفي عام1935 زار تونس بدعوة من البارون رودولف دير لينجه وأحيا حفلة مع الشيخ علي الدرويش الذي عزف على الناي . وأقيمت الحفلة في قصر البارون دير لينجه الذي كان يعرف بقصر الزهراء في مدينة بوسعيد .
كما زار الكثير من الدول العربية والأجنبية وعزف فيها ومن الدول التي زارها غير ماذكرنا بلجيكا وبلغاريا ورومانيا والعراق والأردن والمغرب وايران وزار أمريكا الشمالية والبرازيل والأرجنتين ، وعزف أمام الجالية العربية هناك .
إضافة إلى العزف على الكمان، كان لسامي الشوا نشاطات موسيقية أخرى فقد شارك في مؤتمر الموسيقا العربية الذي انعقد في القاهرة عام 1932. وكان له فيه دور فعال ، إذ كان عضواً في لجنة المقامات والايقاع والتأليف التي كان يرأسها رؤوف بكتابك . وكان من بين أعضائها جميل عويس وعلي الدرويش من سورية . وقبل ذلك كان قد تم اختياره عضواً في اللجنة التي تم تشكيلها في معهد فؤاد الأول عام 1930 ، والتي ناقشت موضوع السلم الموسيقي العربي . واتخذت قراراً باعتماد السلم الموسيقي العربي المعدل . وكان في اللجنة إلى جانب سامي الشوا كل من مصطفى رضا وصفر علي ومحمد العقاد وادوار فارس ونجيب النحاس ومصطفى العقاد وأميل عريان ومحمود زكي .
وشارك سامي الشوا الموسيقي منصور عوض في انشاء المدرسة الأهلية لتعليم الموسيقا التي تحمل اليوم اسم المعهد العالي للموسيقا بالقاهرة . كما تشارك مع منصور عوض عام 1946 في تأليف كتاب ( القواعد الفنية للموسيقا الشرقية والغربية ) . كما وضع كتاباً جمع فيه مقامات وايقاعات الموشحات والأدوار الشائعة في زمانه.
وإضافة إلى عزفه على الكمان ، كان سامي الشوا مؤلفاً موسيقياً مبدعاً، إذ وضع الكثير من المؤلفات الموسيقية. وأول مؤلفاته الموسيقية (أذان الفجر)، ثم جاءت مقطوعات (أعرابي في الصحراء) و(بولكا مصري) ، ، ومن مؤلفاته الموسيقية أيضاً (تهنين الولد) وهي مقطوعة استوحتها من هدهدة الأم الحلبية لوليدها، وتسمى في حلب (هنهنة) . كما أبدع العديد من الأعمال الموسيقية في القوالب التراثية مثل تحميلة من مقام الرصد ، والعديد من البشارف.
بعد رحلة طويلة مع الموسيقا ، زادت عن نصف قرن رحل سامي الشوا يوم الجمعة 31 كانون أول1965 في القاهرة ودفن فيها عن عمر يناهز ستة وسبعين عاماً .