زكي محمد … عبقرية موسيقية منسية
المقال من إعداد: المؤرخ الموسيقي أحمد بوبس
زكي محمد واحد من الموسيقيين السوريين الكبار، واسمه الكامل زكي محمد الحموي . وهو أحد رواد التلحين في سورية . يكاد اليوم أن يكون مجهولاً عند الأجيال الجديدة . لكن المتقدمين في السن ، لايزالون يذكرون ألحانه الجميلة .وزكي محمد عبقرية موسيقية متكاملة. فقد خاض التلحين في معظم القوالب الغنائية ، وخاض غمار التأليف الموسيقي ، وبرز عازفاً على آلتي العود والبانجو .
ولد زكي محمد عام 1920 في دمشق . وتعلم الموسيقا والعزف على آلتي البانجو والعود في الأندية الموسيقية فيها . وبدأ أولى خطواته الفنية في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين عازفاً على العود في أندية دمشق الفنية. وعام 1947 بدأ مسيرته الفنية مطرباً وعازفاً على آلة البانجو في إذاعة دمشق . وبرع في العزف عليها . وقام باجراء تعديلات عليها ، لتصبح ملائمة للموسيقا العربية ، وتسطيع أداء ربع الصوت . لكنه سرعان ما اعتزل الغناء ، ليتجه إلى التلحين . وكان أول لحن له ( ياريتني أخطر على بالك) ، وغنته المطربة ماري جبران .
كانت أغنية (ياريتني أخطر على بالك) بداية انطلاقة كبيرة لزكي محمد . فوضع ألحاناً رائعة في مختلف القوالب الأغنية العربية ، بدءاً من الطقطوقة والمونولوغ وانتهاء بالقصيدة. . وبرز بصورة خاصة في تلحين القصيدة ، من خلال ماقدمه في هذا القالب للمطربة ماري جبران في الخمسينات من القرن العشرين . واستطاع زكي محمد في قصائده لماري جبران أن يرتقي إلى مستوى القصائد التي لحنها رائد القصيدة الغنائية العربية رياض السنباطي ، سواء في المقدمة الموسيقية الطويلة او في اللوازم الموسيقية بين المقاطع . ويدل على ذلك الحادثة التالية .
عندما جاء زكريا أحمد إلى دمشق أواخر الأربعينات من القرن العشرين ، دعته ماري جبران لحضور إحدى حفلاتها . وغنت في تلك الحفلة قصيدة (خمرة الربيع) تلحين زكي محمد . وبعد الحفلة قال لها زكريا أحمد : ( السنباطي أداك الحن ده ايمتى؟) . فضحكت ماري جبران ، وقالت له 🙁 اللحن ده من صنع الراجل ده ) ، وأشارت إلى زكي محمد . بعد هذه الحادثة مباشرة ، حاول زكريا أحمد اغراء زكي محمد بالسفر إلى القاهرة . وقال له إن مصر ستفسح المجال لألحانه ، وتمنحه المجد . لكن زكي محمد أصر على البقاء في دمشق .
تعتبر رحلة زكي محمد مع ماري جبران الأبرز في مسيرته الفنية .إذ قدم لها أروع ألحانه ، والتي معظمها في قالب القصيدة . وبعد لحنه الأول ( ياريتني أخطر على بالك ) . توالت ألحانه لها ، فكانت قصائد (موكب المجد) شعر مسلم برازي ، وقصيدتا (زنوبيا) و(أحلام الرمال) شعر زهير ميرزا ، وقصيدتا (دمشق) ,( خمرة الربيع) للشاعر المصري أحمد خميس ، وقصائد ( الشباب) ,( أماني) ,( البلبل) شعر أحمد مأمون .
وإضافة إلى ماري جبران قدم زكي محمد ألحانه إلى العديد من المطربات والمطربين السوريين . فالمطرب ياسين محمود غنى من ألحانه (شو صار) و(بعيد الدار) و(قابلنا المحبوب ) و(قلبي وقلبه). وغنت المطربة اللبنانية نازك من ألحانه أغنيتي (غنوا لي) و( سهرت مع قلبي) . وأعطى للمطرب معن دندشي لحني ( جبلي المزع مكتوب) ,( لاتفكر فيي) . ولحن للمطرب اللبناني محمد مرعي أغنية (آه من كلام الناس) . ومن المطربات والمطربين الذين غنوا ألحانه تغريد محمد ، سلوى مدحت ، سعاد محمد ، نجاح سلام ، كروان ، أغاريد ، نورهان ، فتى دمشق وعدنان راضي الذي اشتهر باسمه الفني ( المتكتم) .
وكما برع زكي محمد في التلحين ، برع في التأليف الموسيقي . فقد أبدع العديد من المقطوعات الموسيقية منها (حب وأمل) و ( ليلة العمر) و ( بنت العرب) . لكن أجملها مقطوعاتة استخدم فيها ايقاع الرومبا ، وحملت تسمية ( رومبا نهوند) .
أما في مجال العزف ، فقد أجاد العزف على آلتي العود والبانجو . فقدم فيهما عزفاً منفرداً رائعاً . ومما يذكر له في هذا المجال ، أنه دعي إلى أمسية موسيقية أحياها عازفا عود فرنسيان بدمشق . وبعد أن انتهى العازفان الفرنسيان من عزفهما ، قام زكي يعزف على العود مجموعة من المقطوعات الموسيقية الصعبة من بينها التحميلات التي تعتبر من أصعب أنواع التأليف الموسيقي عزفاً . فأذهل الفرنسيين اللذين ظهرا صغيرين أمام عزفه العملاق .
اعتزل زكي محمد التلحين بعد رحيل المطربة ماري جبران عام 1956 . لأنه لم يستطع أن يجد الأصوات القوية التي تقدم ألحانه الكبيرة . واستمر عازفاً على العود والبانجو ضمن الفرق الموسيقية في إذاعة دمشق وموظفاً في دائرة الموسيقا في الإذاعة بصفة مراقب موسيقي ، يقوم بتدوين ألحان غيره من الملحنين. واستمر في عمله الوظيفي إلى أن توفي عام 1983 , بعد تعرضه لحادث سيارة وهوخارج من مبنى الإذاعة والتلفزيون .