رفيق شكري


 

رفيق شكري.. مؤسس الأغنية الشامية

 

بقلم المؤرخ الموسيقي: أحمد بوبس

       رفيق شكري ملحن ومطرب سوري كبير. وهو أول من استخدم اللهجة المحلية في كلمات ألحانه من الملحنين و المطربين السوريين بعد أن كانت اللهجة المصرية مسيطرة على الغناء في سورية.

       ولد رفيق شكري في دمشق عام 1923. وتيتم باكراً ، إذ توفي والده أحمد شكري وعمره أربعون يوماً فقط . فتولت أمه رعايته واحسنت تربيته . ولما بلغ السابعة من عمره ألحقته أمه بالمدرسة الابتدائية ، فواظب على الدراسة في السنوات الأولى ، لكن قساوة الظروف التي أحاطت به اضطرته إلى ترك المدرسة من أجل العمل كي يواجهأعباء الحياة ، فعمل في مهن مختلفة .

 ظهربالموسيقا والغناء ولما يزل طفلاً فاقتنى عوداً وهو في الثانية عشرة من عمره. وبدأ بتعلم العزف عليه بنفسه، ثم تتلمذ على يد الموسيقي صبحي سعيد الذي كان من أمهر عازفي العود في دمشق، فتعلم منه العزف على العود والنوتة الموسيقية. وفي عام 1936 بدأ رحلته مع الغناء مطرباً حينما وقف لأول مرة على أحد مسارح دمشق يؤدي أغنيات محمد عبد الوهاب. وفي أدائه لأغنيات محمد عبد الوهاب لم يكن مجرد مقلد له ،وإنما كان يؤديها بطريقته الخاصة واسلوبه المميز . لكنه لم يستمر طويلاً في أداء أغنيات محمد عبد الوهاب. إذ سرعان ما بدأ يخط لنفسه أسلوباً خاصاً في الغناءيستمد مقوماته من البيئة السورية عندما قدم بصوته أول أغنية خاصة به وكانت ( لما هويتك ما كانش ذنبي ) التي كتب كلماتها عزت حصرية، ولحنها له أستاذه صبحي سعيد وقدمها عبر إذاعة دمشق المحلية عام 1941.

       لكن الانطلاقة الفنية الحقيقية لرفيق شكري كانت عام 1942 حين تعرف على الشاعر الغنائي عمر حلبي في منزل وصفي المالح وأثمر هذا اللقاء عن أغنية ( بالفلا جمال ساري ) وهي أول أغنية يكتبها عمر حلبي، وأول أغنية يلحنها ويغنيها رفيق شكري محققاً بها نجاحاً كاسحاً. فخلال أيام فقط انتشرت على ألسن الناس ، رغم عدم وجود أجهزة اعلام قوية . وكانت كلماتها باللهجة المحلية،ويقول مطلعها :

بالفلا جمال ساري

قلت رايح فين

ياناري ع المحبوب ياناري

قايدة في الجنبين

كانت هذه الأغنية بداية تعاون بينه وبين عمر حلبي استمر حتى رحيل رفيق شكري عام 1969، وأثمر هذا التعاون عن أكثر من مئتي أغنية هي أجمل ما لحن وغنى رفيق شكري والتي منها ( غيبي يا شمس غيبي )، ( خلّي الحبايب يسلموا )، ( خدوا معاهم مها ) وغيرها…

       لحن رفيق شكري خلال مسيرته الفنية أكثر من خمسمئة أغنية غنى قسماً منها بصوته، وأعطى القسم الآخر لمطربات ومطربين آخرين ومن الذين غنوا ألحانه ياسين محمود، كروان، سعاد محمد، ماري جبران، فايزة أحمد، سحر، نور الصباح، سعاد مكاوي..

       شملت موضوعات أغنيات رفيق شكري مختلف أغراض الأغنية العربية. فلحن وغنى الأغنية العاطفية والوطنية والدينية والاجتماعية. وعلى صعيد القوالب الغنائية لحن وغنى في معظمها فلحن الطقطوقة وأبدع فيها ومنها ( خالي يا خالي )، ( بالفلا جمال ساري )،(خلي الحبايب يسلمو) وغيرها، ولحن القصيدة مثل ( عذاب ) شعر مدحة عكاش و ( عتاب ) شعر صالح هواري و0صوتها) شعر الدكتور صباح قباني. وفي قالب المونولوج لحن وغنى ( أحبك والفؤاد يهواك ) نظم أنور البابا و( فكرت أنساك ) كلمات محمد نذير السروجي .وفي الحوارية ( الديالوغ ) لحن مجموعة منها مثل حوارية ( قلبي ح يحكي عن شقاه ) التي غناها مع المطربة فايزة أحمد. وخاض غمار تلحين الاسكتش ومن ألحانه فيه اسكتش ( الذهب الأبيض ) التي شاركته الغناء فيه نور الصباح، واسكتش ( فلسطين ) الذي غنى فيه مع مها صبري وسيد اسماعيل ، لكنه لم يلحن في قالبي الموشح والدور وإن كان قد سجل لإذاعة دمشق عدداً من الموشحات من ألحان غيره،فمن ألحان عدنان منيني غنى (نشيد المشاة) و(موشح (أيها الساقي) ، ومن تلحين شاكر بريخان شارك بالغناء في اسكتش (للعالي ياطلاب المعالي) ، ومن تلحين رياض البندك) غنى قصيدة (أحلام الجزيرة) .

واستخدم رفيق شكري في بعض ألحانه الإيقاعات الغربية مثل التانغو كما في أغنيتي ( ضيعت فؤادي ) و ( مافيش أمل )، والسامبا كما في ( تهجرني في يوم ) والموسيقا الراقصة كما في ( تعالي هنائي ).

نال الغناء الوطني مساحة كبيرة من ألحان وأغنيات رفيق شكري . فلحن وغنى عدة أغنيات بمناسبة استقلال سورية عام 1946 ن منها أغنية (ذكرى الجلاء)و(ياحبيبتي يامهد الحرية) ، وعندما قامت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 قدم عدة أغنيات منها (قيدوا شموع الوحدة قيدوا) و(بلادي يامحلا بلادي) ، وغنى لحرية الوطن (نحن أسود الحرية) . لكن القضية الفلسطينية كان لها النصيب الأكبر من ألحانه الوطنية ، فقد

قدم ستة ألحان عن فلسطين توزعت مابين نشيد واسكتش وقصيدة . فمن أناشيده (قسم العودة) كلمات عمر حلبي ونشيد (الجهاد)شعر سليمان العيسى . ومن اسكتشاته (الزحف المقس) و(فلسطين) من نظم عبد الله الشيتي . كما لحن وغني لكفاح الجزائر وجنوب اليمن .

وفي مجال السينما خاض رفيق شكري غمارها في فيلم وحيد هو ( نور وظلام ) عام 1948. وهو أول فيلم سوري ناطق وشاركته البطولة فيه الممثلة اللبنانية إيفيت فغالي وأخرجه نزيه شهبندر. وقدم فيه الفنان شكري عدداً من أغنياته وخلال زياراته إلى القاهرة قام ببعض الأدوار الثانوية في عدد من الأفلام المصرية، منها فيلم ( بنت البادية ) مع المطرب الشعبي المصري محمد الكحلاوي.

       وفي مجال العمل الإداري ساهم رفيق شكري في تأسيس نقابة الموسيقيين في دمشق وتولى رئاستها لفترة من الزمن كما كان أحد المشرفين الموسيقيين في إذاعة دمشق حتى رحيله.

قام رفيق شكري بجولات عربية واسعة ففي عام 1953 تلقى دعوة لزيارة الأردن للمشاركة في احتفالات تتويج ملك الأردن حسين وأحيا عدة حفلات وسجل لإذاعة عمان مجموعة من أغنياته وزار بغداد عام 1963 وشارك بعدة حفلات، وزار القاهرة عدة مرات وشارك في حفلات أضواء المدينة مع كبار الفنانين العرب وسجل لإذاعتي صوت العرب والقاهرة العديد من أغنياته كما قدم غناءه عبر أثير إذاعة القدس عام 1944 وإذاعة الشرق الأدنى ( لندن حالياً ) مطلع الخمسينات من القرن المنصرم.

       واستمر عطاء رفيق شكري دون توقف حتى رحيله في الثالث من آذار عام 1969.


log in

reset password

Back to
log in